تسمّم إعلامي

للإعلام الرياضي دور رئيس في تعزيز المفاهيم الرياضية الإيجابية وترسيخ القيمة الأخلاقية للرياضة ومكافحة السلوكيات الخاطئة في الوسط الرياضي، خصوصاً الإعلام الرياضي (المرئي) كونه الأسرع انتشاراً والأكثر تأثيراً والأسهل وصولاً إلى عقول الجماهير الرياضية.
إضافة لما سبق، يناط بوسائل الإعلام مهمة توجيه وصنع الرأي العام الرياضي بمصداقية وشفافية بعيداً عن النفاق والتضليل، كما يناط بها دور التوعية وتأسيس ثقافة النقد البناء ومراقبة الأحداث الرياضية وتقييمها بنظرة موضوعية عقلانية متجردة، دون تأثرٍ بعواطف أو هوى أو ميول. أنا هنا أحلق في سماءٍ وردية تحتكم إلى قواعد مثالية تكاد أن تكون معدومة في الرؤية الواقعية!
عندما أهبط على أرض الواقع، أرى أن المثالية (الوردية) قد تحولت إلى اللون (الأسود) القاتم! وهو لون التعصب والتحزب وضيق الأفق الذي يجثم على صدر الإعلام الرياضي ب أنواعه كافة، الإعلام المقروء ''موبوء'' بأفكار هدامة خُطّت بأقلامٍ انحرفت عن جادة الصواب وسارت في طريق من يسيرها، الإعلام المرئي ''مبلي'' بوجوه متلونة متبدلة كتبدل لون الحرباء، لا تعرف الصادق منها والكاذب، الإعلام المسموع ''مفجوع'' بأفواهٍ تفوح منها رائحة التعصب الكريهة .. ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منّا.
أتابع باستياء انحدار مستوى الطرح في البرامج الحوارية الرياضية التلفزيونية التي كشفت عن حالة الإفلاس المخزي التي تعتري بعض من يسمون أنفسهم الإعلاميين الرياضيين، ومع مرور الحلقات التي لا تخلو من المشاجرات وتقال فيها أسوأ العبارات.
أيقنت بأن عقول بعضهم قد أصيبت بالصدأ! هرج ''فاضي'' وثرثرة زائدة لوثت مسامعنا وأعادت تدوير المفاهيم الرياضية، فتحولت ''الثقافة'' إلى ''سخافة''، وتحول ''الناقد'' إلى باحثٍ عن ''نقود''، وبدلاً من العمل على تصحيح المسار، اكتفى بعض من يطلق عليهم ''نقاد'' بالدفاع المستميت عن الشعار.. والمضحك المبكي في أمر هؤلاء أن معظمهم يتشدق بأصول ''المهنية''، وهم في واقع الأمر لا يعون من ''المهنية'' شيئاً سوى أنها كلمة مكونة من سبعة أحرف!
عاثت هذه الشريحة في الإعلام فساداً إلى أن غُمست رياضتنا في وحل الاحتقان بفعل ممارستهم غير المسؤولة والبعيدة عن أصول ''المهنية الإعلامية'' كبعد ''هيئة دوري المحترفين'' عن الإيفاء بحقوق أندية ''دوري زين'' المالية!
لم أجد لما نعايشه اليوم من ''ازدحام مرئي'' ناتج عن (تفريخ) البرامج الحوارية الرياضية تشبيهاً أقرب من تشبيه تلك البرامج بعربات الكشري المنتشرة عشوائياً في الأحياء الشعبية بمدينة القاهرة! .. والعارف ببواطن الأمور في مصر يعلم أن تناول صحن كشري من العربات المتناثرة على نواصي حواري القاهرة أسهل الطرق المؤدية إلى الإصابة بتلبك معوي وتسمّم غذائي. أخشى ما أخشاه أن يصاب المتابعون لما يطرح في (عربات الكشري التلفزيونية) بنزلة فكرية حادة و''تسمّم إعلامي''! .. نسأل الله العافية.

آخر فنجان:
بعض الإعلاميين الرياضيين ينطبق عليهم المثل القائل: ''كلما كبر أدبر'' .. يا الله حسن الخاتمة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي