مخارج الطرق ودورة حياة المشروع

في مشاريع التنمية التي تستهدف البنية التحتية للخدمات في جميع القطاعات يفترض ألا يتم حساب التكلفة لأي مشروع منها بحساب التكلفة الإنشائية للمشروع فقط، إذن هذه التكلفة هي رأس الجبل الجليدي للمشروع وتبقى التكلفة الحقيقية لأي مشروع هي تكاليف التشغيل لهذا المشروع في أي مجال.
فمثلا تكاليف إنشاء المستشفى توازي تقريبا تكلفة تشغيله لمدة ثلاث سنوات في أغلبية الحالات، ولذا تبدو التكلفة الإنشائية ضئيلة إذا ما قورنت بتكلفة التشغيل بشكل كامل في دورة حياة المشروع، الذي في الغالب يستمر عشرات السنين.
وهذه المعادلة تبدو في الحقيقة مهمة المخطط الاستراتيجي للمشروع مع ما يمثل رأي إدارة المشروع في نوعية المشروع الذي ينفذ، الذي يتطابق مع الخطة، ولكن في الغالب أن إدارة المشاريع تنظر إلى التكاليف الحالية فقط، مقطوعة عن دورة حياة المشروع وعن مجمل التكاليف الناتجة عن دورة حياة المشروع مما يسبب معضلة تظهر بعد التنفيذ، ولذا فإن ذلك يبرز لنا أهمية التخطيط الاستراتيجي للمشروعات الحيوية، حيث لا بد من أن نتبنى مشروعات يكون تشغيلها أقل تكلفة من المشروعات التي تكون مكلفة التشغيل بعد الانتهاء منه وإن كانت أكثر تكلفة في إنشائها ابتداء.
وإننا حين ننظر إلى الطرق التي تشغل حيزا كبيرا في محيطنا العمراني وهي تشكل اليوم عصب الحياة في التنمية التي تربط الأحياء والأعمال والمصانع بعضها بعضا، ونجد أن المشغل الأساسي لهذه الأعصاب هو المارة الذين يستخدمون تلك الطرق بسياراتهم ذهابا وجيئة إلى أعمالهم اليومية في حركة دائبة وعمل مستمر، وهم بذلك يعملون على تشغيل تلك الطرق ويصرفون خلال تلك المهمة أغلى ما يملكون وهو (الوقت)، وفي نظري أن هذا العنصر لم يدخل في حسابات المخطط مطلقا.
إذ لو كانت التكاليف التشغيلية قد تم حسابها بحساب دورة حياة المشروع بالكامل وأخذ فيها هذا العامل في التكاليف للمشروع لما عملت هذه الحلول التي نشاهدها اليوم.
وبالنظر إلى حلول المخارج في الطرق الدائرية لمدينة الرياض أجد أن مشاريع تلك المخارج التي تعمل الآن وعملت من قبل اعتمدت على الحلول التي يتم إنشاؤها بأقل التكاليف في إنشاء هذه المخارج بطرق التفافية على المخارج، وهذا الحل قد يبدو للوهلة الأولى حلا أقل تكلفة بكثير من غيره من الحلول خصوصا إذا ما تمت مقارنته بحلول (زهرة البرسيم) التي تتطلب إنشاء جسور متعددة الأدوار وأخذ حيز عمراني أوسع لاستيعاب تلك الحركة بانسيابية تامة ودون الذهاب يمنة أو يسرة للوصول إلى الهدف. لكن الذي نفذ الآن هو تلك الحلول السريعة التي أهدرت الوقت لمجموع السكان في المدينة وبدلا من أن صل المرء إلى عمله سريعا وفي وقت قصير جعلت من التفافه على المخرج ورجوعه إليه يستغرق دقائق من عمره.
وبحساب هندسي بسيط لو فرضنا أن هذا الحل زاد من والوقت بثلاث دقائق لكل سيارة وأن مجموع السيارات التي تمر يوميا هي عشرة آلاف سيارة فيصبح لدينا 30 ألف دقيقة مهدرة أي ما يعادل 20 يوما، وإذا حسبنا السنة يصبح لدينا 7500 يوم ضائع من أعمار المارة. أما إذا ما ضربت في اتجاهين لكل مخرج وأيضا بعدد المخارج التي تم فيها مثل هذا الحل لوجدنا أن أعمارا تضيع هدرا دون حساب.
قد تبدو النظرة قاصرة في حساب التكلفة للمشروع إذا ما اجتزئت بمثل هذه الطريقة في عدم احتساب كامل دورة المشروع والآثار التي تترتب على تشغيله من وقت ومصروفات تشغيلية، ولذا يتعين أن يوضع اعتبار للتشغيل في دورة حياة المشروع بالكامل، وعندها يصبح قرار اتخاذ أنسب الحلول في مشروعات التنمية هو الذي يجعل من الإنسان هو المحور لهذه التنمية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي