خدمات «الداخلية» .. وقطف الثمار
من بين العادات الاجتماعية التي أحرص عليها اللقاءات التي تجمع أفراد العائلة في نهاية كل أسبوع والتي تُوزع بشكل دوري على كل واحد منا. تلك اللقاءات تسهم في تعزيز روابط المودة بين أجيال العائلة والحفاظ على قدر، وإن كان قليلا، من التواصل فيما بينهم وهو أمر بات أمنية للكثير من الناس بعد أن تفرقت مساكنهم وتباعدت بينهم المسافات في المدينة الواحدة. وتشكل تلك اللقاءات، إذا ما تمت السيطرة على صخب الأطفال، فرصة لتبادل الآراء والحديث عن بعض الملفات المطروحة في وسائل الإعلام كمشكلة البطالة، مستوى الخدمات العامة، ارتفاع الأسعار، ازدحام الطرق، وغيرها. على أن ما لفت انتباهي في واحد من تلك اللقاءات ما طرحته بعض السيدات عن تجربتهن في التعامل مع إدارة الأحوال المدنية (قسم النساء) في جدة عندما تقدمن للحصول على بطاقة الهوية الوطنية الجديدة بدلا من القديمة.
كان هناك إجماع بين السيدات على الإشادة بما شهدناه من أسلوب حضاري في تقديم تلك الخدمة بما في ذلك تنظيم المواعيد، الاستقبال، وإنجاز العمل. إذ إن الموظفات العاملات هناك كن يتعاملن مع المراجعات بأسلوب مهني مهذب لطيف. ولم يقتصر ذلك الأسلوب في التعامل على المراجعات فحسب، بل كن يستخدمن مفردات راقية في التخاطب ما بين بعضهن البعض بصوت هادئ ووجه بشوش. وقد لخّصت إحدى الحاضرات من المراجعات الجو العام هناك بقولها ''كأنك في صالة انتظار لكبار العملاء في مصرف نسائي راق من حيث النظافة وكفاية تقديم الخدمة''.
سمعت تلك الشهادة من أكثر من مصدر، أي أنها لم تكن حالة منفردة، بل يبدو أنها تشكّل عرفا في تلك الإدارة ما يجعل دلالات الشهادة تستحق التسجيل. ذلك أن العاملات في ذلك القسم جميعهن سعوديات يعملن على الكادر الحكومي، إلا أنهن نجحن في كسب رضا واستحسان المراجعات، خلافا لما نشاهده من مستوى متدن في خدمات وتجهيزات الكثير من الإدارات الحكومية الأخرى متحججين بأن المواطن السعودي غير منضبط وأن الرواتب غير مجزية.
كما لمست من زاوية أخرى جودة تلك الخدمة عندما تابعت قبل نحو شهرين لقاء مباشرا أجرته قناة ''الإخبارية'' مع أحد المسؤولين في إدارة ''الأحوال المدنية'' تحدث خلاله عما تقدمه الإدارة من خدمات للمواطنين. إذ لفتت انتباهي المفردات المحببة للنفس التي استخدمها ذلك المسؤول في مخاطبة المشاهدين، والوعود التي أخذها على عاتقه أمام الملأ لمعالجة كل مشكلة شخصية استمع إليها بأن طلب من أصحابها تزويد غرفة ''الكنترول'' في البرنامج بأرقام هواتفهم. ذلك الأسلوب في التعامل بدا لي كأنه ثقافة جديدة رأيت من الواجب الإشارة إليها والإشادة بها.
هناك بالطبع حراك متواصل لتطوير جميع الخدمات التي تقدمها وزارة الداخلية للجمهور، وهي كثيرة، بتوظيف أدوات التقنية الحديثة. تلك الخدمات تلامس حياة المواطن بدرجات متفاوتة وفقا لمرحلته العمرية ونمط حياته. من بين تلك الخدمات التي لا يكاد يستغني عنها مواطن أو مقيم، إلى جانب الأحوال المدنية، هي ما تقدمه إدارة الجوازات. ومن أمثلة التطوير في تلك الإدارة افتتاح مكاتب للخدمات الإلكترونية في المراكز التجارية على فترتين صباحية ومسائية ما يعد تيسيرا كبيرا على المراجعين. أما الخدمة الجديدة الأخرى التي بدأت في تقديمها تلك الإدارة فهي إشعار الكفلاء عبر الرسائل النصية عن موعد انتهاء مدة إقامة مكفوليهم ما يتيح أمامهم فرصة كافية لتجديدها دون التعرض لغرامات أو عقوبات أخرى.
مع كل تلك الجهود التي تستحق الإشادة، هناك ملاحظة صغيرة أود أن أنقلها لمدير عام الجوازات بخصوص الوكالات الشرعية. إذ ذكر البعض أن إدارة الجوازات تطلب تجديد تلك الوكالات سنويا وهو ما يشكل معاناة يمكن تجاوزها باستخدام نظام ''تحقق'' الإلكتروني الذي أسسته وزارة العدل. ذلك النظام يرصد جميع الوكالات السارية والملغاة، ويمكن الدخول إليه بسهولة عبر موقع الوزارة على شبكة المعلومات العالمية. وحبذا لو أن إدارة الجوازات تبنت استخدام تلك الآلية، ورفعت عن كاهل المواطن عبء تجديد وكالته كل عام.
إن النقلة الكبيرة التي نشاهدها اليوم في مستوى جميع الخدمات التي تقدمها وزارة الداخلية للمواطنين والمقيمين هي بلا شك، ثمرة سنوات طويلة من التخطيط والعمل الجاد الذي يرتكز على برامج تدريب فاعلة، رقابة حازمة، وقدوة حسنة من قمة الهرم في تلك الوزارة الأم.