مرور الرياض
- خلال الأيام الخمسة الماضية التي أمضيتها في الرياض ''عاصمة الكرم''، لم أجد سوى أعذب وأصدق عبارات الترحيب وحسن الضيافة، لمست في زيارتي القصيرة طيب المعشر وعظيم الخُلُق وسلامة المخبر من أعزاء فتحوا لي قلوبهم قبل بيوتهم، ووجدت نفسي في مدينةٍ لها دون سواها من عواصم الخليج لغة رسمية (ثانية) بعد اللغة العربية! لغة متعلقة بنسائم هواء الرياض، تُستنشق مع كل شهقة وزفرة، وتندسّ بين كل نبضة ونبضة في قلوب أهل ''العاصمة'' .. يا لبّى قلوبهم.
- كرة القدم لغة رسمية معتمدة في الرياض، لا صوت يعلو فوق صوتها سوى صوت المنادي للصلاة، ولا راية تعلو فوق رايات أندية الرياض سوى راية التوحيد الخضراء .. تعلق أهل الرياض بكرة القدم وهوسهم بأدق تفاصيلها يكاد أن ينافس ولع البرازيليين! والبرازيل كرة قدمٍ لها دولة، أما في الرياض، فكرة القدم أسلوب حياة.
- في سياق الأحاديث (الكُروية) التي قلما تخلو منها ليالي الرياض، كان لأحد الأصدقاء الأعزاء الرأي التالي: ''الحركة الرياضية السعودية فوضى في فوضى، زيها زي حركة المرور في الرياض'' .. حينها، آثرت الصمت لفظياً والتعليق كتابياً. اليوم، بعد التمعن في المشهد الرياضي السعودي، أضع نفسي في خانة الموافقة وأقولها بتجرد وشفافية ومصداقية .. لقد أصبت يا صديقي؛ فوضى العمل الإداري والمالي في إدارات الأندية السعودية زيها زيّ فوضى حركة سير المركبات في شارع العليا العام! .. زحمة البرامج الحوارية المتعلقة بالشأن الرياضي السعودي التي هي (في الغالب) ثرثرة وإثارة بلا فائدة، وجدل عقيم بلا عائدة، تشبه إلى حدٍ كبير زحام طريق خريص! .. الضجيج الصادر عن بعض الإعلاميين ''الناشزين'' على وتر التعصب الرياضي يشبه التلوث السمعي الصادر عن ''بوري'' السيارات في شارع الشميسي (القديم)! .. التفاف رؤساء الأندية على اللوائح والأنظمة مقارب إلى دوران المركبات في شارع التحلية! .. وحب الظهور والشهرة الذي دفع ببعض المفلسين فكرياً إلى القفز المظلي على الإعلام الرياضي السعودي وتشويه أخلاقيات المهنة الإعلامية بلا وعي وبلا إدراك، مثله كمثل خلط مفهوم الحرية بالانفلات الذي أدى ببعض المستهترين إلى ''التفحيط'' في الثمامة وتفجير الإطارات!
- كل ما سبق أدى إلى اختناق الجماهير الرياضية التي اعتادت استنشاق كرة قدم صافية لا تشوبها عوادم، ولا يكبح مسيرها فرامل، وبدأ المحبون والمتابعون للرياضة السعودية بالشكوى والامتعاض من مرحلة المخاض، وأي مخاضٍ عسير تمر به الرياضة السعودية التي يتعاطى شأنها الأمير والفقير، وبدأت أخشى أن تصل مرحلة الاختناق الجماهيري إلى مرحلة مشابهة للاختناق المروري في طريق الملك فهد ذي الـ 20 مخرجا، فكم للرياضة السعودية من مخرج حتى تعود كما عهدناها؟ .. أهل الرياض أدرى بمخارجها.
آخر فنجان: حال (البعض) في الوسط الرياضي كحال الثور في مستودع الخزف!