أنفاق الخدمات
في يوم السبت الماضي الموافق 20/2/1433هـ توقفت عند التقرير الذي نشرته جريدة ''الوطن'' عن أنفاق الخدمات. إذ جاء في ذلك التقرير أن مجلس منطقة مكة المكرمة أوصى ''بضرورة اعتماد تنفيذ أنفاق الخدمات ضمن المخططات الجديدة أو التي لم يتم تطويرها بشكل كامل، على اعتبار أنها الوسيلة العملية للتخلص من حفريات الطرق، والقضاء عليها وتحسينها، والمحافظة عليها من التلفيات وإعادة سفلتتها مرات عدة ما يعرض الطرق للتشويه''. كما تضمنت التوصية آلية لتمويل تنفيذ تلك الأنفاق دون إضافة أعباء إلى الميزانية العامة للدولة، وذلك من خلال إسناد إنشائها وتشغيلها لمستثمرين، على أن يُلزم المستفيدون كشركة الكهرباء، شركات الاتصالات، وغيرها باستخدام تلك الأنفاق لقاء دفع أجور للمستثمرين محددة مسبقا.
ذلك المقترح من مجلس منطقة مكة المكرمة، كنت قد طرحت ما يشابهه في مقال نشرته ''الاقتصادية'' في 18/12/1429هـ، أي قبل أكثر من ثلاث سنوات. يومها دعوت إلى التريث في ردم وتزفيت (سفلتة) حفريات الخطوط الرئيسة لشبكة الصرف الصحي الجاري تنفيذها في محافظة جدة إلى حين استكمالها واختبارها. إذ إن ذلك التريث يعد خياراً آمناً دون أي تكلفة إضافية للاطمئنان على سلامة خطوط الشبكة في كل محاورها ومفاصلها. كما بينت بعض المنافع الأخرى المتوقعة من ذلك المقترح ومن بينها الإفادة من الحفريات العميقة لشبكة المجاري ببناء ممرات corridors لتمديد الخدمات كخطوط الهاتف ونقل المعلومات.
لا شك أن جزءا كبيرا من شبكة الصرف الصحي الجاري تنفيذها في جدة قد تم الانتهاء من حفرها وردمها، غير أن ذلك لا ينبغي أن يقلل من أهمية المقترح المطروح. إذ إن تطبيق فكرة الاستخدام المشترك لممرات شبكات الخدمات، وإن كانت على مسارات محدودة من شبكة الصرف الصحي، ستحقق لمدينة جدة نقلة يغبطها عليها الآخرون، ووفورات مالية في بنود الصيانة يمكن توجيهها لبناء مرافق عامة جديدة مواكبة للنمو العمراني المتسارع.
عندما ننظر للصورة الكبيرة لشبكات الخدمات، والحاجة الدائمة إلى توسعة طاقتها الاستيعابية ونطاق انتشارها، نرى أنه لا مفر من تبني فكرة الأنفاق المهيأة مسبقا لمسار تلك الخدمات، وإلا سنجد أنفسنا في حلقة مفرغة من الحفر والردم. ذلك الأسلوب التقليدي العقيم المتبع حاليا في العمل يترتب عليه بالطبع تكاليف مالية يمكن تفاديها، كما أن من شأن ذلك الأسلوب تأخير إيصال الخدمة لطالبيها ما يدعو أحيانا إلى تبني حلول مؤقتة، ذلك إلى جانب صعوبة تحديد أماكن الأعطال وإصلاحها في غياب وجود الممرات المشتركة، وتكبيد قطاع الأعمال خسائر جسيمة كلما اضطرت شركات الخدمات إلى إقامة تمديدات لمبنى جديد ما يتطلب حفريات تبقى مُشّرعة لشهور عدة وما يتبع ذلك بالضرورة من عرقلة الحركة أمام بعض المساكن والمحال والمعارض التجارية طوال تلك المدة.
إن جدة اليوم على أعتاب نقلة كبيرة في بنيتها التحتية، ربما غير مسبوقة في تاريخها. وأحسب أن إنشاء أنفاق للخدمات سيشكل علامة مميزة في تلك النقلة، إلا أنني أخشى ألا ترى تلك الفكرة النور فيما لو أُسند تنفيذها للمستثمرين لأسباب عدة، من بينها التكلفة المالية العالية لمثل تلك المشروعات وضآلة عوائدها، والصعوبة المتوقعة في التنسيق مع الجهات الحكومية وغيرها في الحصول على التراخيص اللازمة وحق المرور البريء وما إلى ذلك من متطلبات.
لذا، وإن كنت أشيد بالتوصية التي صدرت عن مجلس منطقة مكة المكرمة بخصوص إنشاء أنفاق للخدمات، فإنني آمل أن يتبنى أمير المنطقة الأمير خالد الفيصل دمج ذلك المشروع ضمن المشروعات العملاقة التي بدأت حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز تنفيذها لإعادة تأهيل البنية التحتية في جدة، والإفادة من الإمكانات المالية والهندسية التي تم رصدها لمصلحة ذلك البرنامج العملاق الذي يحظى بمتابعة مباشرة من الأمير نايف بن عبد العزيز ولي العهد، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الداخلية.