تكريم الرواد

قبل حوالي ثلاثة شهور سعدت بلقاء الأستاذ عبد العزيز المنقور، الملحق الثقافي الأسبق في الولايات المتحدة الأمريكية، في أمسية جمعته ببعض ''تلاميذه'' الذين عاصروه أثناء فترة عمله في ''الملحقية''، وكان من بين الحضور في تلك الأمسية عبد الرحمن المازي، الذي أسعدني ما أباح به عن عزمه وبعض الزملاء تنظيم حفل في الرياض تكريما للأستاذ المنقور يدعى له الخريجون الذين تلقوا دراستهم الجامعية في الولايات المتحدة الأمريكية خلال الفترة (من 1381هـ حتى 1397هـ) وهي المدة التي قضاها الأستاذ المنقور في العمل في الملحقية الثقافية هناك متدرجا في السلم الوظيفي إلى أن أصبح المسؤول الأول عن شؤون الآلاف من المبتعثين يومئذ.
إن تكريم الأستاذ المنقور هو استحقاق يأتي في محله لما قدم من دعم ورعاية للطلاب في غربتهم على مدى عقدين من الزمن تقريبا. إذ كان لهم بمثابة الأب والصديق في وقت لم تكن وسائل الاتصال بين المملكة والخارج متوافرة كما هي عليه اليوم. وكثيرا ما قست الغربة على بعض من المبتعثين إلى حد كادت أن تقضي على مستقبلهم وآمالهم، فكان المنقور أقرب ملاذ لهم في تلك الديار من شرقها إلى غربها يقيلهم من عثراتهم إن كانت فشلا في الدراسة، مرضا مفاجئا، أو حتى دينا غارما. وفي كثير من تلك الحالات لم يعرف أصحابها فوارق التوقيت بين ولاية كاليفورنيا، الوجهة المفضلة لأغلب المبتعثين في تلك الأعوام، و بين مقر الأستاذ المنقور في مدينة نيويورك، ومن ثم كان من أدبيات عمله أن يتلقى مكالمات في منتصف الليالي دون تضجر وإن كانت على غير ذي أهمية.
سيقام حفل التكريم، بإذن الله، يوم الثلاثاء القادم 16 صفر 1433هـ في فندق الإنتركونتننتال في الرياض، ومن المتوقع أن يحضره عدد كبير من ''تلاميذ'' المنقور ومحبيه من مدن عدة في المملكة، وهم كُثر. وستكون تلك المناسبة فرصة للتواصل بين زملاء الدراسة الذين تفرقت بهم السبل، وتجديد صداقات الأمس البعيد بما قد يضفي بعدا جديدا لحياة الكثير وهم يستعيدون ذكريات جميلة لأيام خلت قد يرى فيها البعض حافزا لمواصلة السير بهمة ونشاط في مواجهة استحقاقات مرحلة الخريف من العمر. ولعل القائمين على تنظيم ذلك الحفل يبادرون في تسجيل ما يستطيعون من مواقف لأولئك المبتعثين مع الأستاذ المنقور وجمعها في كتيب يبقى مرجعا للباحثين الراغبين في دراسة تلك الفترة من البعثات التعليمية السعودية للولايات المتحدة الأمريكية. وقد ترى وزارة التعليم العالي ملاءمة رعاية طباعة ذلك الكتيب، وجعله في متناول منسوبي برنامج الملك عبد الله للابتعاث.
هناك قليل من الناس نذر حياته أو بعض أعوامها لخدمة الآخرين، وأحسب أن عبد العزيز المنقور واحد منهم. وقد كان لجمعية خريجي جامعة (MIT) في المملكة شرف السبق في تكريمه في حفلها السنوي الثامن الذي أقيم في الرياض يوم السبت الموافق 27/2/1428هـ.
إن تكريم الرواد عمل حضاري ينبغي الندب إليه، إذ إنه يؤصل خلق الوفاء وهو من صميم صفات المسلم. وما يدعو للفخر أن ذلك التقليد النبيل يتميز به خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز فهو القدوة لنا في ذلك المجال، إذ يحرص، حفظه الله، على تكريم كل من قدم عملا مميزا في حقل عمله سواء من العلماء، الأدباء، رجال الدولة، أو من قطاع الأعمال.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي