التحديات التي تواجه الاقتصاد الإسلامي
ما يجمع النظريات والأفكار الإنسانية أن نصوصا أغلبها تبدو حسنة غايتها سعادة الإنسان من خلال تحقيق العدالة الاجتماعية ورفع الظلم ومحاربة الفقر والفساد، وهذا شأن أغلب الدساتير الإنسانية.
ولكن النص شيء والتطبيق شيء آخر. كل فكر ومنهج يبقى أسير نصوصه ما لم يطبق على أرض الواقع. وما يشدني لا بل يبهرني عند قراءتي للإسلام هو النظرة الثاقبة لدى بعض المفسرين ـــ أستميح القراء عذرا لعدم ذكر الأسماء ــــ التي مفادها أننا لن نتكئ يوم الحساب إلا على أعمالنا.
والاقتصاد الإسلامي لا يزال في طور التجربة رغم التهافت على دراسته في شتى أنحاء العالم ومن قبل أكثر الجامعات العالمية شأنا في أمور الاقتصاد كعلم. ولأن النهج الذي يرسمه هذا الاقتصاد نابع من صميم الرسالة التي ــــ وحسب علمي المتواضع ــــ غايتها إحقاق العدل ورفع الظلم ونقل الإنسان من حال إلى حال أفضل في شتى الميادين، تقع على كاهل منظريه ومطبقيه تحديات كبيرة.
واحد من أكبر التحديات يكمن في أننا حتى الآن ليس لدينا نموذج لدولة تطبق مفاهيم هذا الاقتصاد على أرض الواقع. أقرب تطبيق لمفاهيم الاقتصاد الإسلامي ــــ الكل شريك في الثروة (بيت المال) ــــ هو ربما دولة السويد. وللنظر وباختصار شديد لبعض المفاهيم الاقتصادية المتبعة في هذا البلد وأترك مسألة المقاربة والمقارنة للقارئ الكريم.
وزير المالية يدير بيت المال. الوزير الحالي أندش بوري داهية في الشؤون الاقتصادية والمالية وانتخبته جريدة "فايننشيال تايمز" كأفضل وزير للمالية في أوروبا لعقود. نجاح هذا الوزير يكمن في أنه يطبق نظرياته أولا على نفسه ووزارته قبل أي شخص أو مؤسسة أخرى.
ميزانية الدولة برمتها ــــ وهي ميزانية هائلة تقارب 450 مليار دولار لتسعة ملايين نسمة ــــ في متناول الجميع حيث بإمكان أي فرد سويدي إن أراد أن يدقق في كل أبواب الصرف والإيرادات ومن حقه مساءلة أي مسؤول إما من خلال الهاتف أو البريد الإلكتروني وقلما تهمل أي رسالة.
الوزير ذاته ــــ الذي حقق نسبة نمو تزيد على 4.5 في المائة في الربع الثالث من هذا العام وهذا بمثابة معجزة بالنسبة للاقتصاديات الغربية المترنحة ــــ يطبق شفافية كاملة على دخله فهو يقبض نحو 90 ألف كرونة في الشهر (نحو 12 ألف دولار) يذهب نحو 40 في المائة منها للضريبة.
مخصصاته الأخرى ـــ ما يتقاضاه عند السفر مثلا ــــ ليست سرية، بل مشاعة وبإمكان أي صحافي بسيط التحقق منها ومن ثروته وكيفية جمعها. وهذا ينطبق على جميع المسؤولين من ضمنهم رئيس الوزراء.
والسويد من دول العالم القليلة التي وضعت آليات محددة لتخفيف وقع سعر الفائدة (الربا بالمفهوم الإسلامي) على مواطنيها. الدولة تدفع من ميزانيتها 30 في المائة من إجمالي سعر الفائدة، الذي تتقاضاه البنوك من الأفراد. والقروض هنا بمليارات ومليارات الدولارات، ولكن الدولة تتحمل نحو ثلث الربا على هذه القروض. وإن كنت مستثمرا في البورصة وخسرت بإمكانك تعويض الخسارة باستقطاعها من الضريبة المفروضة على دخلك لتلك السنة.
ولأن وزير المال يعتقد أن العالم، ولا سيما الغربي منه، يمر بأزمة مالية حقيقية قرر، وفي مبادرة فريدة قد يقاربها كثير من المسلمين بما كان سيفعله عمر بن الخطاب، زيادة مرتبات العاطلين عن العمل والمرضى والمقعدين والمعوقين، ولا سيما العائلات التي لها طفلان أو أكثر. بالطبع هذا غيض من فيض من الإجراءات التي تقنع الناس في هذا البلد أن حقهم في بيت المال مضمون.
وإلى اللقاء.