Author

الموازنة والمساءلة

|
تنعم بلادنا ولله الحمد بفترة انتعاش اقتصادي تتمثل في الاعتمادات الهائلة في الميزانية المعتمدة للإنفاق على المشاريع، وكذلك البرامج التطويرية في مجالات محددة مثل التعليم، والصحة، والقضاء وغيرها. ولا شك أن الإنفاق الضخم والتوسع في المشاريع يتطلب في الوقت ذاته منظمات حكومية ذات كفاءة عالية قادرة على استغلال هذا الوفر الاقتصادي لتحقق هذه المشاريع أهدافها التنموية. إن إعلان الموازنة العامة يجب أن تصاحبه شفافية عالية من قبل الجهات الحكومية، حيث تفصح كل جهة عن برنامج تنفيذي واضح لما سيتم القيام به السنة المقبلة. والواقع أن هذا الأمر أكد عليه خادم الحرمين للوزراء ـــ في مناسبات سابقة ـــ حيث وجه بضرورة وضع خطة لكل وزارة. فهل يتم الإفصاح عن تلك الخطط؟ وهل سيتم استخدام هذه الخطط في تقويم الأداء؟ فمن الضروري أن يتم ربط الاعتمادات المالية بأهداف واضحة يمكن قياسها وتتبعها لمعرفة الإنجازات وتقويم الأداء تبعاً لذلك. فالقاعدة الإدارية تقول: '' أن ما لا يمكن قياسه، لا يمكن إدارته''. ومن المسائل المتعلقة بالموازنة أيضا قضية التخطيط أصلاً وآلية تخصيص موازنات الجهات الحكومية، فالجهات الحكومية عادة ما تتذمر من آلية تخصيص الموازنة. فالواقع التنموي الذي تشهده الدولة في ظل أنظمة مالية مركزية ولوائح صرف تهتم بالشكل لا المضمون ونظام لا يُحاسب ولا يُكافئ سيؤدي لا محالة إلى مخالفات وتجاوزات مقصودة وغير مقصودة. كما أن الجهات الحكومية تشتكي من غياب التخطيط الكلي للمشاريع مما يخلق حالة من الإرباك للقائمين على التنفيذ. فالضخامة المالية للمشاريع التنموية تتطلب جهداً هائلا من الجهات الحكومية ذات العلاقة لإنجاحها وتشغيلها بكفاءة. إن الواقع الحالي لبعض الأجهزة الحكومية لا يتناسب مع تطلعات القيادة ومتطلبات المستفيدين. ومن الأمور ذات العلاقة بالإنفاق العام المبالغة الواضحة في قيم وتكاليف المشاريع مقارنة بالدول الأخرى، وهذه لا شك مسألة جدلية من الممكن التغلب عليها بزيادة الشفافية في المشاريع الحكومية والمتابعة الفعلية من الجهات الرقابية مع تطبيق مبدأ ''المساءلة'' بكل حزم. إن تحقيق أهداف التنمية المستدامة يتطلب توافر أربعة مقومات أساسية لتحقق المشاريع التنموية أهدافها، وهذه المقومات هي: الإرادة السياسية الجادة، ووجود الرؤية الواضحة، والكفاءة الإدارية لتنفيذ المشاريع، والرقابة المستقلة الحازمة. وبالنظر إلى ما تشهده البلاد من تطوير شامل نرى أن الحلقة الأضعف في المقومات الأربعة السابقة هي الإدارة التنفيذية في الأجهزة الحكومية، لذا فإن الأولوية يجب أن تنصب على رفع كفاءة الأجهزة الحكومية وتطوير أدائها. إن البرامج التنموية لن تؤتي ثمارها ما لم تكن هناك إدارة حكومية فاعلة، فالإدارة الجيدة هي الأساس لنجاح أي برامج تنموية. فالمال وحده لن يخلق تنمية مستدامة، بل يتطلب وجود إدارة رشيدة على المستويات كافة.
إنشرها