ميزانية 2012: تحديات التوظيف والإسكان.. وتنفيذ المشاريع المحتشدة

أعلنت أمس وللعام العاشر على التوالي ميزانية قياسية من حيث الإنفاق التقديري، وحققت الخزانة السعودية أعلى إيراد في تاريخها (1110 مليارات).

ورغم أن الميزانية التقديرية لعام 2012 تتوقع فائضاً ضئيلاً (12 مليارا) يمثل الفارق بين الإيرادات التقديرية (702 مليار ريال) والنفقات التقديرية (690 مليار ريال)، فإن التوقعات المتحفظة تذهب إلى أن من المرجح – بمشيئة الله - أن ينتهي عام 2012 لتحقق الخزانة العامة فائضا قدره 112 مليار ريال بافتراض أن الإيرادات ستصل إلى 932 مليار ريال بافتراض أن الإنفاق الفعلي سيرتفع مع نهاية عام 2012 إلى 820 مليار ريال.

مبادرات.. خارج الميزانية

التحديات في عام 2011 كانت متعددة ومتداخلة، ففي الدائرة اللصيقة، فقد اتجهت الجهود حثيثا للتقارب منطلقة من مؤسسة القمة، حيث أعلن خادم الحرمين الشريفين عن مبادرته لتحول الدول الأعضاء من صيغة "التعاون" إلى صيغة "الاتحاد". وليس من شك أن هناك موجبات عدة لإطلاق هذه المبادرة تتعلق بجوانب جيوسياسية يعايشها إقليم دول المجلس، وأخرى تتعلق بالأوضاع المسيسة في دول المجلس، ووجاهة أن يحث المجلس الخطى نحو الوحدة، باعتبار أن المادة الرابعة من النظام الأساسي لدول المجلس قد بينت أن على دول المجلس الأعضاء السعي لتحقيق ذلك. وبعد مرور ثلاثة عقود على توقيع ذلك النظام الأساس فمن الملائم التفكر في صيغة أكثر ملاءمة وتحقيقا للأهداف.

ومحليا، فقد كان عام 2011 عاماً مفعما بالتحديات. فعلى الرغم من مستويات الإنفاق العالية التي تبنتها الخزانة العامة لسنوات عدة، والمبررة بعوائد نفطية عالية.. من مصروفات قدرها 410 مليارات في عام 2008، إلى 475 مليارا في عام 2009، إلى 540 مليارا في عام 2010، إلى 580 مليارا في عام 2011. وفوق ذلك فقد أطلق خادم الحرمين الشريفين إبان عودته من رحلة العلاج، حزمة متنوعة من البرامج لتعزيز رفاه المواطن. ومن تلك الحزمة أعاد الملك تركيز الاهتمام على أمرين أساسيين: الإسكان والتوظيف.

#2#

ورغم أن الخطة الخمسية الحالية (التاسعة) تسعى سعيا استراتيجيا لزيادة نسبة تملك المواطنين للمساكن.. إلا أن الملك أطلق برنامجا متوسط المدى لبناء 500 ألف وحدة سكنية بتكلفة 250 مليار ريال. أما الأمر الثاني فهو فتح المجال واسعا أمام الجهاز الحكومي لتوظيف آلاف من المواطنين والمواطنات بعد أن كان التوجه منذ الخطة الخمسية الرابعة هو نحو القطاع الخاص لتوليد الوظائف، ولتنفيذ سياسة الإحلال، وزيادة معدل مشاركة المواطنين في قوة العمل.

كما أن الملك أقر، وللمرة الأولى في تاريخ المملكة، دفع إعانة للباحثين عن عمل، ونتيجة لذلك أطلقت وعززت عدة برامج، منها على سبيل المثال برنامج "جدارة" للتوظيف في القطاع الحكومي، وبرنامج "حافز" للتوظيف في القطاع الخاص.. ونرى أن الأمرين الأساسيين يتناولان تحديان عنيدان: رفع نسبة تملك السعوديين للسكن، وخفض نسبة بطالة السعوديين.

الإسكان

فيما يتعلق بقضية الإسكان، فمنذ توليه مقاليد الحكم اهتم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز اهتماماً جلياً بقضية الإسكان من خلال مبادرة منهجية متكاملة بدأت بإنشاء الهيئة العامة للإسكان قبل نحو أربع سنوات، والتي كلفت بعد ذلك بالإشراف على مشاريع الإسكان الشعبي التي خصص لها آنئذ عشرة مليارات ريال، وكلفت الهيئة بعد ذلك بالإشراف على وضع استراتيجية الإسكان والتي وضعت اللمسات النهائية عليها أخيراً. وقبل مبادرة تخصيص 250 مليارا لبناء 500 ألف وحدة بأسابيع، خصصت 15 مليار ريال دعما للهيئة العامة للإسكان.

ويصب المشروع في تحقيق الرؤية الهادفة لرفع مخزون المملكة من المساكن بنحو 250 ألف وحدة سنوياً من مختلف المصادر العرض المختلفة. وتجدر الإشارة إلى أن عدد الوحدات التي ستبنى من خلال المشروع الذي أمر به خادم الحرمين الشريفين يوازي عدد الطلبات المتراكمة لدى صندوق التنمية العقارية والتي يبلغ عددها نحو 500 ألف طلب، أي عدد يضاهي ماساهم به صندوق التنمية العقارية منذ إنشائه. كما أن المشروع سيسهم في زيادة عدد مخزون المساكن في المملكة نحو (العشر) مما هو عليه الآن.

وتجدر الإشارة إلى أن المشروع يستهدف تيسير توفير سكن لمن لا تمكنه أوضاعه المالية الذاتية من تمتلك السكن، وهذه الفئة تمثل شريحة واسعة من محدودي الدخل، لا سيما أن عددا من الدراسات بينت أن النقص الحاد حالياً هو في الوحدات السكنية لذوي الدخل المنخفض.

كما أن هذا المشروع الإسكاني على صلة وثيقة برؤية خادم الحرمين الشريفين التي نالت اهتماماً مباشراً منه لتقوية وتعزيز شبكة الأمان الاجتماعي للشرائح الأكثر احتياجاً فيما يتصل بالضمان الاجتماعي لتوفير المال للإنفاق على الاحتياجات الجارية للأسر، وكذلك الدعم المباشر وغير المباشر من خلال برنامج الضمان الاجتماعي، وتيسيير توفير المأوى من خلال مشاريع هيئة الإسكان، وفرص العمل والتعليم والتدريب والتأهيل من خلال صندوق تنمية الموارد البشرية والصندوق الخيري الاجتماعي، والإقراض الاجتماعي من خلال بنك التسليف والادخار.

وقد خصص مبلغ 250 مليار ريال من فائض إيرادات عام 2011 لتمويل المشروع الإسكاني الضخم. ونسبة لضخامة المشروع، فمن غير المتوقع إنجازه خلال عام واحد أو عامين، وبالقطع ومما يدفع للقول بأن المشروع لن يشهد عوائق تتعلق بوفرة الأراضي هو ما أعلن عنه وزير الإسكان عقب فترة وجيزة من الإعلان عن المشروع الإسكاني الكبير، حيث بين وزير الإسكان أن الوزارة قد تسلّمت أو في طريقها لتسلّم 200 مليون متر مربع من الأراضي السكنية في مختلف مناطق المملكة. ومع ذلك فتوفير السكن الميسر أمر مطلوب في كل المحافظات والبلدات والمراكز والقرى والهجر في السعودية على امتداد مساحتها الشاسعة، وهذا يمثل تحديا كبيرا دون شك.

ومن الناحية الاقتصادية، فمن المتوقع أن يكون لمبادرة الإسكان انعكاسات إيجابية واضحة على قطاع التشييد والبناء في المملكة، الذي يسهم حالياً بنحو 7.1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. ويتوقع أن يشهد انتعاشاً يؤدي إلى مضاعفة مساهمة هذا القطاع في الناتج المحلي الإجمالي خلال السنوات الخمس القادمة على أقل تقدير، كما من المتوقع أن يسهم في تنشيط نمو الأنشطة الاقتصادية كافة ذات الصلة بسلسلة القيمة المرتبطة بقطاع التشييد والبناء بصورة مباشرة أو غير مباشرة.

وعلى صلة بذلك، رفع سقف قرض صندوق التنمية العقارية من 300 ألف ريال إلى 500 ألف ريال. بالتأكيد أن قرض 500 ألف ريال تتيح مجالا أكثر واقعية وخصوصا لأصحاب الأسر ممن اضطروا للانتظار لسنوات طويلة للحصول على قرض يسهم بشكل كبير في امتلاك المنزل، أضف إلى ذلك أن متوسط حجم الأسرة السعودية يعتبر كبيرا نسبيا (في حدود ستة أشخاص)، فهذا سيسهم - حتى لو كان الحديث عن امتلاك منزل اقتصادي - مساهمة كبيرة لاسيما أن تكلفة بناء منزل شهدت ارتفاعات متتابعة منذ أن حدد سقف القرض بـ 300 ألف ريال في بدايات إنشاء الصندوق، وأن رفع سقف الصندوق إلى 500 ألف ريال يأتي في وقته المناسب لمقابلة متطلبات واحتياجات المواطن لامتلاك سكن خاص به وأسرته.

البطالة

من المفيد بيان أننا أمام تحد اجتماعي - اقتصادي حقيقي باعتبار أن البطالة تقدر بنحو 10.5 في المائة وقرابة 13 في المائة فقط من العمالة في القطاع الخاص هي عمالة سعودية! وهذا بالتأكيد يبين تدني مساهمة المجتمع الذي يمثل الشباب فيه نحو ثلاثة أرباع. وقضية سعودة قوة العمل كانت ولا تزال محل اهتمام ومتابعة من قبل الحكومة السعودية منذ صدور قرار مجلس الوزراء رقم 50 قبل ما يزيد على 15 عاما، حيث كان القرار ينادي بزيادة متدرجة لتحقيق سعودة قوة العمل في القطاع الخاص بزيادة سنوية بمقدار 5 في المائة.

ولكن، رغم أن القرار كان يتسم بكثير من المرونة، إلا أن الاستثناءات المتعددة لم تتح فرصة لتطبيق القرار تطبيقا كاملا. وفيما يتعلق بالأوامر الملكية التي أعلن عنها والمتعلقة بالسعودة فهي ضرورية، لاسيما أن الجانب الأهم في هذا الشأن هو المتعلق بتنظيم سوق العمل وخصوصاً الشق المرتبط بتوظيف السعوديين، وحيث يلاحظ أن التشوه الأهم يكمن فيما يعانيه سوق العمل من انفتاح على استقدام العمالة الأجنبية، حيث يلاحظ أن عدد تأشيرات العمل الممنوحة تتصاعد بوتيرة مطردة في السنوات الأخيرة، ففي العام المنصرم قدر عدد التأشيرات بنحو 1.200 مليون تأشيرة عمل، وهذا العدد يوازي عدد فرص العمل التي يتوقع توفيرها على مدى سنوات الخطة الخمسية التاسعة! ولا توجد تسمية تعبر عما يحدث في سوق العمل نتيجة لهذا الانفتاح على استقدام العمالة الوافدة من تعبير "إغراق" أو "مزاحمة" العمالة المواطنة وخصوصاً الداخلين الجدد من الباحثين عن عمل من السعوديين.

ولذا، فإن الأمر الملكي الكريم يتصل بالتنسيق بين الوزارتين المعنيتين بتنظيم سوق العمل والإشراف على القطاع الخاص للقيام بدور فاعل للتعامل مع الأمر. ولعل من المناسب التذكير أن الحكومة تهدف إلى تقليص معدل البطالة بمقدار النصف على مدى السنوات الأربع القادمة من 10.5 في المائة إلى 5.5 في المائة، وهذا مطلب يستوجب – ضمن أمور أخرى - ضبط سوق العمل والتخلي عن سياسة الاستقدام القائمة والحرص على تحقيق سياسة الإحلال من خلال آلية أكثر شفافية وخاضعة لقدر أكبر من المساءلة. ولذلك جاءت الأوامر الملكية ذات الصلة، كخطوة ضرورية للمساهمة في إزالة تشوهات وتقوية الهيكل التنظيمي لسوق العمل في المملكة.

كما أن تحديد إعانة الباحثين عن عمل بواقع ألفي ريال شهريا قطعت جدلا كان محتدما على مدى الأسابيع الماضية منذ الإعلان عن هذه الإعانة. والآن، يبدو أن سوق العمل السعودي أمام منظومة متكاملة من الآليات لتنظيم سوق العمل والمساهمة في إزالة التشوهات التي كانت تحد من قدرة الباحثين عن العمل في الحصول على فرص وظيفية مناسبة محليا. ولعل من المهم هنا الإشارة إلى أن الاقتصاد السعودي اقتصاد يُولد فرص عمل جديدة، ولكن وطبقا لإحصاءات وبيانات رسمية، فإن جُل ما يولده الاقتصاد السعودي من فرص عمل (تصَدّرّ) يذهب للعمالة الوافدة.

وصدور مثل هذه القرارات يحتاج إلى تضافر الجهود بين وزارة العمل كمنظم للسوق، ووزارة التجارة والصناعة كجهة حكومية معنية بشؤون القطاع الخاص، لتحقيق الغاية المنشودة لزيادة مساهمة القطاع الخاص في توظيف الباحثين عن العمل، إذ يمكن الجزم أن سياسة الإحلال التي أعلن عنها منذ بداية الخطة الخمسية السابعة، والتي تقوم على أن جُل الداخلين الجدد من السعوديين لسوق العمل سيتم توظيفهم في القطاع الخاص من خلال إحلالهم محل العمالة الوافدة.. يبدو أنها - أي سياسة الإحلال - لم تحقق أهدافها، بل إنها لم تكن حتى قريبة من تحقيق تلك الأهداف.

ولذا، فإن الأوامر الملكية الكريمة تمثل توجهاً جديداً لإتاحة المزيد من فرص العمل للسعوديين في القطاع الخاص. ولعل من المناسب بيان أن الحكومة السعودية أخذت توظف المزيد من المواطنين في وظائف حكومية من خلال تثبيت العاملين على وظائف مؤقتة على وظائف دائمة، واستحداث أعداد كبيرة من الوظائف للباحثين عن العمل.

وبالتأكيد وفي هذا المناخ ليس من المعقول أو المبرر أن يبقى القطاع الخاص خارج المساهمة في توظيف السعوديين، خصوصا أن الإنفاق الحكومي والأهلي يمثلان أهم عملاء ومصادر إيرادات القطاع الخاص، لذلك فإن توسع القطاع الخاص في توظيف السعوديين أمر لا مفر منه ولا مهرب.. مع الأخذ في الحسبان أن الحكومة - بطبيعة عملها - لن تستطيع زيادة أعداد موظفيها بصورة مطردة على مدى السنوات القادمة؛ فالحكومة ليست قطاعاً إنتاجياً، أما القطاع الخاص فإن فرص نموه لا متناهية – نظرياً - ما دام الاقتصاد السعودي يشهد نموا، مما يعني أن هناك مزيداً من الوظائف التي يولدها الاقتصاد ولابد أن يذهب جُل هذه الوظائف للمواطنين والمواطنات لا أن تصدّر للخارج ليوظف الاقتصاد وافدين بتكلفة تتجاوز 100 مليار سنوياً، وفي الوقت ذاته يعاني أبناؤه وبناته البطالة.

وفي هذا السياق، فمن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن غالبية العمالة الوافدة (نحو 65 في المائة) يحملون تأهيلاً ثانوياً فما دون ذلك، فإن تنافسية العامل المواطن حقيقية في حال أزيلت التشوهات التنظيمية الهائلة في سوق العمل بما يقلل من المنافسة غير العادلة المزاحمة للمواطنين.. وهنا، ومهما تعددت الألوان فالسيطرة على معضلة البطالة لها لون واحد: الحد من استقدام العمالة الوافدة وإحلال المواطنين والمواطنات محلها. وهنا، فلا مفر من التركيز على تفعيل سياسة الإحلال والتي تشمل ما لا يقل عن 70 في المائة من الوظائف التي تشغلها وافدة محدودة إلى متوسطة التأهيل، ودون كبير عناء في التعليم والتدريب والتأهيل وإعادة التأهيل.

الخماسية السعودية

لقد اتبعت السعودية توجها استراتيجياً منذ بدايات الخطة الخمسية الثامنة لتأمين الاستقرار الاقتصادي دون الإخلال بدفع عجلة التنمية قدماً، مستفيدة من تجاربها خلال ربع القرن المنصرم، ولذا فقد بدأت منذ عام 2006 في زيادة الإنفاق بوتيرة عالية ومعززة بصورة واضحة للإنفاق الاستثماري، وذلك من خلال خمسة مرتكزات:

1 - سداد الدين: أصرت الحكومة - على الرغم من الجدل الاقتصادي المتنوع - على سداد الدين العام بوتيرة حازمة بما يعزز من جاذبية الاستثمارية والائتمانية للحكومة وخزانتها العامة. وحالياً وصل الدين إلى نحو 135.5 مليار (6.3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي) حسب البيانات الرسمية.

2 - بناء احتياطي: اتخاذ خطوات معلنة لبناء احتياطي للخزانة العامة بما يسهم في تحقيق الاستقرار لإيرادات الخزانة العامة بما يبعد شبح العودة للمربع الأول (أي منتصف الثمانينيات من القرن الماضي) والاقتراض لتمويل الإنفاق الحكومي، ولذا فإن هناك احتياطي لتعزيز استقرار إنفاق الميزانية يضاف له الاحتياطي العام من الذهب والعملات.

3 - تعزيز الإنفاق العام: الارتقاء بالإنفاق العام إلى مستويات غير مسبوقة، رغبة في استمرار البرنامج التنموي دونما انقطاع، وتحديداً لاستكمال معطيات التنمية الرئيسة من بناء مساكن وخدمات صحية وتعليمية وتدريبية، حيث زاد الإنفاق الاستثماري من نحو 38 مليار في عام 2004 إلى 62.3 مليار في عام 2005 إلى أن وصل مداه (260 مليارا) في عام 2010 والتراجع قليلا في العام الحالي 2011 (256مليارا).

4 - التنويع الاقتصادي: الحرص على تسريع خطى إنجاز استراتيجية التنويع الاقتصادي بما يحقق آمال الحكومة لإيجاد اقتصاد محلي متعدد المصادر، وذلك من خلال إطلاق عدد من الاستراتيجيات النوعية تتناول الصناعة، الزراعة، الطاقة (بما في ذلك إعادة هيكل القطاع الحالي وتشجيع البدائل)،الخدمات، التوظيف، النقل، والتخصيص، إضافة إلى استراتيجيات نوعية أخرى، وفي الوقت نفسه زيادة رأسمال وإعادة هيكلة وتوسيع دور مؤسسات التمويل الحكومية المتخصصة. وهناك انتظار لتفعيل متحمس لآليات الخصخصة والتنويع بما يدفعها للأداء من جديد.

5 - الجاذبية الدولية: السعي للعب دور نشط في التجارة العالمية واستقطاب الاستثمارات الأجنبية، وتنامي دورها في الدوائر المالية والاقتصادية الدولية بما يتجاوز الدوائر النفطية، وعضوية منظمة التجارة الدولية، وصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، ومجموعة العشرين.

معضلة الاقتصاد السعودي

ولا يمكن تجاوز أن مجلس الوزراء كان قد أقر استراتيجية التوظيف السعودية، التي تسعى لتحقيق ليس فقط ''إنشاء فرص العمل اللازمة لمواكبة النمو السكاني السريع'' بل كذلك الإحلال محل العمالة الوافدة، كما أن الاستراتيجية تسعى لجعل الموارد البشرية السعودية عنصراً أساساً في إكساب الاقتصاد السعودي ميزة تنافسية، ولا سيما أن مجلس الوزراء طلب تقويماً لتنفيذ الاستراتيجية بعد مرور ثلاث سنوات، والتي أزفت على المرور. وعلينا تذكر أن هناك معضلة تتفاقم، وتتمثل في التالي:

• أن أعداد العمالة الوافدة في تصاعد.

• أن البطالة المحلية في تصاعد.

• أن تكلفة العمالة الوافدة في تصاعد.

فرصة الاقتصاد السعودي: الإنفاق الاستثماري

وهنا نجد أن الإنفاق الاستثماري أخذ يستقر بعد أن تصاعد لسنوات، حيث رصد 256 مليارا لعام 2011 بعدما وصل إلى 260 مليارا في العام المالي 2010، ومن 225 في عام 2009، أي ما يمثل 48 في المائة، مرتفعا من 165 مليار ريال في العام الذي سبقه (2008) أو ما مثل 41 في المائة من الإنفاق التقديري لذلك العام، وهذا ما أسهم في رفع نسبة الاستثمار إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى 28.1 في المائة خلال سنوات الخطة الثامنة (2004 ـــ 2009) مقارنة بنسبة 21.1 في المائة في العام الأول من الخطة (2004). أما في عام 2009 فقد قفزت نسبة الاستثمار الثابت إلى 30.3 في المائة، وهذه تعد من الأعلى بين دول العالم. ولعل من المفيد بيان أن الإنفاق الاستثماري (حسبما هو مقدر في الميزانية) قد تضاعف أكثر من ستة أضعاف خلال الفترة 2004-2011.

إذاً، تعاملت الحكومة مع الأزمة بأن رفعت الإنفاق بوتيرة عالية، ووجهت جزءا متزايدا من ذلك الإنفاق إلى المشاريع، وبذلك نحت نحو الإنفاق الاستثماري. وهذا بالتأكيد إصلاح نوعي من الضروري استمراره، خصوصا بعد فترة تقلص فيها الإنفاق الاستثماري لمستويات منخفضة اضطرت الحكومة معها إلى استئجار المدارس واكتظت فيها المستشفيات.

وحاليا، فإن مقارنة ما تنفقه الحكومة السعودية استثماريا مع ينفق في عديد من اقتصادات العالم بما في ذلك مجموعة منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، نجد أن المقارنة تتجه في السنوات الأخيرة للسعودية انطلاقا بسبب كثافة الإنفاق الاستثماري. وككل أمر، فإن الوتيرة المتصاعدة من مخصصات الإنفاق الاستثماري يجابهها تحد مؤذ وهو شبح تعثر تنفيذ المشاريع الحكومية.

وقد خصصت فقرة في بيان وزارة المالية لهذا العام لبيان أن عدد العقود التي طرحت خلال عام 2011 بلغ 2600 عقد.

ووسط شح المعلومات الحكومية التفصيلية فيما يخص المشاريع الحكومية من حيث رصدها في مخصصات كل عام، والإعلان عن قائمة بها عند صدور كل ميزانية، وموقعها الجغرافي، وتكلفتها، وهل رسيت أم لا، ومتى رسيت، ومتى ستنتهي، ووضعها في حال عدم اكتمالها، والأسباب في حال تعثرها.. وسط شح هذه البيانات عن المشاريع الرأسمالية والتي تمس تكوين رأس المال الثابت في البلاد، فإن المواطن يشعر ببون بينه وبين ما يعلن في الموازنات من جهة، ويكون خالي الذهن من المشاريع ذات الصلة بقريته أو هجرته أو بلدته أو مدينته.. ومع تأسيس هيئة لمكافحة الفساد فلابد من تعزيز الشفافية فهي المرتكز الأساس لقياس الإنجاز، باعتبار أن الميزانية التقديرية هي تطلع ورغبة، وأن الميزانية الفعلية هي حقيقة وواقع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي