صرف الأرباح.. عَوْدٌ على بدء

عما قريب سيبدأ موسم توزيع أرباح الشركات المساهمة السعودية عن أعمالها خلال العام الحالي، التي باتت تشكل مصدرًا رئيسًا لدخل شريحة كبيرة من المجتمع، ولا سيما بعد أن تضاعفت أعداد الأفراد المستثمرين في السوق المالية. إذ إن أغلبية أولئك المستثمرين لا ينشدون من وراء مشاركاتهم المضاربة في السوق، بل الحصول على عوائد مستقرة ودائمة يمكن الاعتماد عليها، بعد الله تعالى، في تدبير شؤون حياتهم على نسق مستقر وكريم. ومن ثم أصبح من الضرورة أن يكون هناك تنظيم لضبط توزيع تلك المبالغ وفق آليات موحدة تضمن حصول المساهم على أرباحه فور استحقاقها.

ذلك الموضوع كنت قد تناولته مرات عدة على صفحات ''الاقتصادية''، عرضت فيها جوانب من معاناة المساهمين في سعيهم للحصول على حقوقهم. ولعل من الإنصاف أن أشير هنا إلى أن تلك المعاناة قد تقلصت في السنوات الأخيرة بشكل ملموس، لكن على الرغم مما تم تحقيقه من خطوات إيجابية في ذلك المجال، لا يزال في ملف توزيع الأرباح من القضايا ما يدعو لمزيد من التنظيم والمتابعة. من بين تلك القضايا التباين الشاسع في تواريخ توزيع الأرباح بين شركة وأخرى، وكذلك فترات توزيعها. فمن الشركات من توزع أرباحها بعد شهرين فقط من انتهاء سنتها المالية، ومنها التي تؤخر ذلك الواجب إلى منتصف العام أو أكثر، على الرغم من تشابه النشاط أو التماثل في حجم العمل. كما أن هناك شركات تبدي اهتمامًا في كسب رضا مساهميها بانتهاج سياسة نشطة في توزيع الأرباح بنهاية كل ربع من السنة، بينما هناك شركات أخرى لا تبدي ذات الاهتمام وتحتفظ بالأرباح حتى نهاية العام.
صحيح أن توزيع أرباح نهاية العام لا بد أن تسبقه موافقة الجمعية العمومية للشركة، وأن انعقاد الجمعية العمومية يتطلب نشر الحسابات الختامية في الصحف ثم موافقة وزارة التجارة والصناعة، لكن ذلك ليس مبررًا كافيًا لتأخير صرف أرباح المساهمين، إذ إن تلك الخطوات ينبغي ألا تستغرق أكثر من أيام معدودات في ظل شبكة الاتصالات المتطورة. ومن المؤسف أن معظم الشركات المساهمة لا تزال تتمسك بالمواعيد نفسها التي اعتادتها لعقد جمعيتها العمومية منذ نشأتها يوم أن كان البريد المسجل وسيلة الاتصال بالآخرين. إن ما يجري حاليًا على أرض الواقع فيه إجحاف للمساهمين، إذ لا تكتفي الشركات بتأخير مواعيد انعقاد جمعياتها العمومية، بل إنها تضرب آجالًا بعيدة لصرف الأرباح المستحقة.
أما القضية الأخرى في ملف توزيع الأرباح التي سبق عرضها في المقالات السابقة، وأرى ضرورة إعادة بسطها أمام نظر هيئة السوق المالية، فهي عدم إشعار المساهم بتلك الأرباح عند صرفها وإيداعها في حسابه المربوط بمحفظته الاستثمارية، إذ على الرغم من امتثال الشركات بإيداع مستحقات المساهمين مباشرة في حساباتهم المربوطة بمحافظهم الاستثمارية لدى شركات الوساطة، فقد نشأت حالة من الارتباك لدى بعض المساهمين في معرفة ومتابعة تلك المبالغ. ذلك أن تلك الإيداعات تتم على نحو غير منتظم وفي تواريخ مختلفة تتغير من عام إلى آخر، ما قد يفضي إلى ضياع مستحقات المساهم دون أن يعلم أنها لم تصل أصلاً لحسابه. تلك ''الربكة'' قد تكون في صالح المساهم في بعض حالات أحسبها نادرة. من بين تلك الحالات ما حصل لأحد المساهمين قبل أسابيع قليلة عندما اكتشف بالصدفة أنه تم إيداع أرباحه مرتين في حسابه في بحر أقل من أسبوع. ذلك المساهم لم يفرح بما جاءه من مال غير مستحق، بل كان ابتلاء كلفه الكثير من الوقت والجهد في البحث عن الجهة التي عليه رد المبلغ إليها. إذ كانت إجابة الشركة المساهمة بأنه لا علاقة لها بالموضوع، وأن ذلك الخطأ من مسؤولية البنك الذي حولّ الأرباح لحسابه. ومن ثم بدا لذلك المساهم الخروج من تلك الورطة بأن يريح باله ويحتفظ بتلك ''الأرباح الإضافية'' لأطول فترة ممكنة من مبدأ المعاملة بالمثل.

إن معالجة ذلك الجانب من ملف توزيع الأرباح أمر في متناول هيئة السوق المالية، وقد قدمت لنا مؤسسة النقد العربي السعودي مثالاً ناجحًا في سياق مشابه عندما كلفت البنوك باستخدام آلية الرسائل النصية لإشعار عملائها بكل حركة تتم في حساباتهم الجارية، سواء كانت سحبًا أو إيداعًا. تلك الخطوة من المؤسسة حققت الكثير من المنافع في حماية مصالح كل من البنك والعميل.

إنني أدعو هيئة السوق المالية لتبني ذات الآلية المطبقة في حركة الحسابات الجارية في البنوك لتشمل الحسابات المربوطة بالمحافظ الاستثمارية لإبلاغ كل مساهم بمبلغ أرباحه الذي تم إيداعه في حسابه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي