حراج محترفين

في ظل الوفرة المالية التي أنعم الله بها على دولنا الخليجية، والميزانيات الضخمة التي ترصدها أنديتنا من أجل التعاقد مع المحترفين الأجانب، أصبحت دوريات الخليج الوجهة الأكثر جذباً للاعبين في قارة آسيا؛ فأنديتنا تدفع للأجانب مبالغ خيالية، وتقدم لهم مزايا تفوق تلك التي يتمتع بها أعضاء البعثات الدبلوماسية! وهذا جزء من ثقافتنا، فنحن قومٌ نقدّس حاملي الجوازات الأجنبية..! لنا مع المحترفين الأجانب قصة درامية لها فصول عديدة، تحتاج إلى سلسلة من المقالات لتغطية جوانبها كافة، سأكتفي بطرح بعضٍ من فصول القصة في السطور الآتية.
تبدأ القصة الأليمة باجتماعٍ مطوّل تعقده الإدارة الفنية للفريق قبل بداية الموسم، يتم فيه تحديد الأجانب الذين يرغب الجهاز الفني في ضمهم، بعد ذلك تُرفع قائمة المرشحين النهائية من اللاعبين المختارين (بعناية) إلى مجلس الإدارة للبت فيها، ومفهوم ''العناية'' بالاختيار في أنديتنا يعني تقييم مستويات اللاعبين من خلال ما يزخر به موقع (يوتيوب) من مقاطع ''خدّاعة'' ومعمولة بمونتاج عالي المزاج! بعد الاطلاع على القائمة يقوم رئيس النادي بشطب اسم أحد اللاعبين المرشحين من القائمة ـــ دون الرجوع إلى الجهاز الفني ــــ وإضافة لاعب آخر ذي اسم ''رنّان'' سعياً وراء كسب ود الجماهير، وغالباً ما يكون هذا اللاعب ''نجم آفل'' يعاني من شيخوخة كروية!
بعد خوض مفاوضات شاقة ترضخ فيها الإدارة لجشع وكيل اللاعب وشروطه التعجيزية ــــ كما جرت العادة ــــ تعلن الإدارة عن حسم انتقال صفقة ''النجم'' في بيان صحافي، وبعد بضعة أيام يصل اللاعب ''السوبر''، وهنا يبتدأ فصل جديد من فصول القصة.. في المطار تستقبل الجماهير الوافد الجديد بالورود والطبول والدفوف، وفي أول تصريح يدلي به لوسائل الإعلام المحلية يردد اللاعب الأسطوانة المشروخة نفسها التي سئمنا سماعها ومللنا تكرارها: ''لم آتِ إلى الخليج من أجل المال''! يا سبحان الله.. والسؤال المهم هنا هو: هل أتى المحترف الأجنبي من أجل الاستمتاع بشمس الخليج الحارقة؟! أم لاصطياد الضبان في بر الصمان؟! بعد التقاط الصور التذكارية مع المشجعين يتجه المحترف إلى مقر النادي لحضور مراسم توقيع العقد واستلام مقدم عقده الباهظ في الوقت الذي لم يستلم فيه لاعبو الفريق المحليون رواتبهم منذ ثلاثة أشهر بسبب (الأزمة المالية) التي يمر بها النادي!
ومع أول مباراة يلعبها الأجنبي ''السوبر'' تظهر عليه آثار الشيخوخة فيبدو عاجزاً عن تقديم أي مردود فني يوازي الأموال التي صرفت على استقدامه، وتتجدد الإصابة المزمنة اللعينة التي يعانيها فيغيب اللاعب بداعي الإصابة لعدة جولات يمضيها في ضرب المفاطيح والكبسات! وبعد التعافي من الإصابة والعودة إلى المباريات يظهر المستوى الحقيقي للاعب ويتحول من إضافة مرجوة للفريق إلى عالةٍ عليه.. مع مرور الوقت، يبدأ اللاعب ''المقلب'' باختلاق المشكلات مع الجهاز الفني والإداري واللاعبين بسبب الضغط النفسي الناتج من صيحات الاستهجان التي توجهها الجماهير له بعد أن انكشف على حقيقته، ويبدي رغبته بفسخ عقده مع النادي مدّعياً بأنه لم يستطع التأقلم مع البيئة الجديدة ويفكر بالعودة إلى بلاده!
بعد مرور أيام من فسخ العقد وإنهاء التجربة الاحترافية الفاشلة في أول محطة خليجية، يظهر اللاعب في دوري خليجي آخر! ومنه ينتقل إلى محطة خليجية ثالثة، ثم يكمل الأجنبي جولته ''الكشفية'' في العواصم الخليجية بمحطة رابعة وسط تهافت أهم الأندية على ضمه تحت قاعدة ''سيف مجرّب''! فهكذا تقتضي الأعراف الرياضية في خليجنا!
في السنوات الأخيرة، تحول خليجنا إلى ''حراج محترفين'' وساحة للمزايدات والمضاربات على أسماء مستهلكة كروياً، أدت إلى رفع أسعار التعاقدات بشكل جنوني، حتى غدت أندية الخليج الملاذ الأخير للاعبين ''الشيبان'' منتهي الصلاحية الذين يعتبرون اللعب لنادٍ خليجي أفضل فرصة لاختتام المسيرة والحصول على مكافأة نهاية خدمة مجزية عبر استغلال التزاوج الحاصل بين الوفرة المالية والفوضى الإدارية في أنديتنا الخليجية.

آخر فنجان:
احتاج بعض الأجانب إلى قطع غيار، وبسبب انقطاع قطع الغيار المطلوبة من الأسواق العالمية؛ لم يعد أمامهم خيار سوى التوجه إلى الحراج.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي