Author

تساؤلات حول التقادم (2)

|
أواصل ما شرعت فيه من الإجابة عن أهم التساؤلات حول التقادم، ومن أهمها: هل كل القرارات الإدارية يخضع الطعن فيها للتقادم؟ وللإجابة عن هذا التساؤل المهم أقول: ليست كل القرارات الإدارية خاضعة للتقادم، بل إن القرار الإداري الوحيد الذي أفرده نظام ديوان المظالم بالتعريف لا يخضع الطعن فيه للتقادم، وهو ما اصطلح على تسميته بالقرار السلبي، والذي جاء تعريفه ضمن نص المادة الثالثة عشرة من نظام ديوان المظالم التي نصت على أنه "...يعد في حكم القرار الإداري رفض جهة الإدارة أو امتناعها عن اتخاذ قرار كان من الواجب عليها اتخاذه طبقا للأنظمة واللوائح"، وقد استقر قضاء ديوان المظالم على عدم خضوع قضايا الطعن في القرارات السلبية للتقادم، وقد جاء في أحد أحكام ديوان المظالم ما نصه "...من الأمور المسلم بها أن القرارات الإدارية السلبية لا يتقيد الطعن فيها بميعاد معين، بل يظل الطعن مفتوحا حتى يزول الامتناع..."، ومن الأمثلة على القرارات السلبية ما ورد في أحد أحكام ديوان المظالم الذي نص على أن "...امتناع الجهة المدعى عليها عن حصر عقار المدعي وتقديره وتشكيل اللجنة النظامية اللازمة لذلك يعد من القرارات السلبية مستمرة الأثر، التي يجوز التظلم منها ولا تخضع للمواعيد المقررة في قواعد المرافعات والإجراءات أمام ديوان المظالم". أيضا من القرارات التي لا يخضع الطعن فيها للتقادم القرارات المعدومة أو المنعدمة، وأجلى صورة لتلك هي كونها مشوبة بعيب عدم الاختصاص الجسيم، أو ما يسمى باغتصاب السلطة، وذلك بصدور القرار من جهة غير مختصة بإصداره، ومن أمثلته ما جاء في أحد الطعون المقدمة إلى ديوان المظالم ضد قرار صادر من (إدارة الجوازات) في مخالفة تختص بالنظر فيها وزارة الحج وقد جاء في الحكم (...ومن ثم فتصدي المدعى عليها (إدارة الجوازات) لإصدار قرارات تتصل بنشاط خدمات العمرة هو في صورته هذه سلب لسلطات جهة أخرى، وتعدٍ في الاختصاص يبطل القرار الصادر عنها، ويعدم أثره النظامي، ويضحى كأن لم يكن، ويكون غير قابل للتحصين بمضي المدة باعتباره قرارا معدوما تقضي الدائرة ببطلانه...". ومن الأمثلة على القرارات المنعدمة ما قامت به إحدى البلديات من إيقاف أحد المواطنين عن البناء في ملكه بعد حصوله على رخصة البناء، وقد ألغى ديوان المظالم قرار البلدية؛ لأنه "... يعد مخالفة للمادة (125) من نظام الطرق والمباني، حيث إن إصدار مثل هذا القرار هو من اختصاص المحكمة الشرعية لا البلدية، فيكون إصدار مثل هذا القرار من قبل البلدية من غير مختص فيه اغتصابا للسلطة، فكان القرار منعدما جديرا بالإلغاء، والقرار المنعدم لا يتقيد بالمدد..."، وقد نصت المادة (125) من نظام الطرق والمباني على أن "كل شخص حصل على رخصة البناء لا يمكن توقيفه من الاستمرار في البناء المرخص له؛ إلا بقرار قضائي صادر من المحكمة الشرعية في قضايا التملك". أيضا من القرارات التي لا يخضع الطعن فيها للتقادم (القرارات مستمرة الأثر) وهي القرارات التي تتجدد آثارها على ذوي الشأن، ما لم يتم إلغاؤها، فهي ذات أثر مستمر ومتجدَّد، وعليه فإن الطعن في هذه القرارات لا يخضع للتقادم، ولو كان القرار الصادر فيها إيجابيا؛ ولذا فإن من أوضح صور القرارات السلبية قرار المنع من السفر، فهذا القرار وإن كان إيجابيا إلا أن أثر هذا القرار وهو المنع من السفر متجدد ومستمر؛ ولذا فإن الطعن فيه لا يخضع للتقادم، كما هو الشأن بامتناع الجهة عن إصدار ترخيص فهو قرار يتجدد عند تقديم كل طلب بالترخيص، وبالتالي يبقى ميعاد طلب الحكم بعدم صحته مفتوحا، فهذه القرارات تظل قائمة في حق ذوي الشأن ويحق لهم الطعن عليها في أي وقت. لكن هنا استدراك مهم فيما يتعلق بقرارات المنع من السفر، وهو أن ديوان المظالم لا يجوز له نظر دعاوى الطعن في قرارات المنع من السفر إذا كانت صادرة من محكمة مختصة؛ إذ إن المادة الرابعة عشرة من نظام ديوان المظالم نصت على أنه: لا يجوز لمحاكم ديوان المظالم...النظر في الاعتراضات على ما تصدره المحاكم - غير الخاضعة لهذا النظام - من أحكام داخلة في ولايتها...". قاضٍ في ديوان المظالم سابقا - محامٍ ومستشار قانوني
إنشرها