عندما يصبح التلفزيون ذكيا ويسيطر

بعد سنين من التشاؤم بشأن مستقبل التلفزيون في ظل النمو السريع لاستخدام الإنترنت وخدمات ''الفيديو حسب الطلب''، يبدو أن جهاز التلفزيون يستعيد أمجاده مع توقعات الخبراء بأن يصبح ''ملك الإعلام'' الجديد والكلاسيكي على حد سواء.
هذه التوقعات تأتي بعد التطورات السريعة لعالم ما يسمى بالتلفزيون الذكي Smart TV، وهي التسمية المقابلة للموبايل الذكي Smart Phones، والذي تحول في عام 2011 إلى حقيقة واقعة، حيث انطلقت المنافسة على أوجها في هذا الاتجاه بين شركات تصنيع أجهزة التلفزيون الشهيرة مثل سوني وإل جي، وباناسونيك، وانضم لهذه المنافسة ''أبل'' و''جوجل'' وربما ''ميكروسوفت'' قريبا، مع مئات الشركات التي تعمل على تطوير أجزاء من الأنظمة الخاصة بها أو ''التطبيقات'' التي تعمل من خلالها.
طبعا كلمة ''تطبيقات'' Applications بالنسبة للتلفزيون هو استخدام جديد تماما، فالتطبيقات - كما هو معروف - أصبحت جزءا من استخدام الناس اليومي مع أجهزة الموبايل الذكية (الآيفون وبلاكبيري وغيرها)، ولكن انتقالها إلى عالم التلفزيون سيغير الصورة كليا وسيحول السوق (الذي يبلغ حجمها حاليا نحو 17.5 مليار دولار ومستوى نمو سنوي في حدود 60 في المائة) إلى سوق أضخم بكثير وأسرع نموا، ويغير عادات الناس في استهلاك الإعلام بسرعة كذلك.
هذا كله يمكن أن يحصل إذا ربط جهاز التلفزيون بشبكة الإنترنت (ولذلك فإن التسمية المستخدمة لدى المتخصصين هي التلفزيون المرتبط بالإنترنت Connected TV)، ثم إذا استخدم التلفزيون نظام تشغيل يشبه نظام التشغيل الموجود على أجهزة آيفون أو أندرويد أو ويندوز موبايل؛ وهذا ما يجعل المنافسة ستحتد بين الشركات الثلاث الكبرى أبل وجوجل وميكرسوفت.
التغيير الضخم الآخر هو دمج الإعلام الاجتماعي مع أجهزة التلفزيون (ولذلك البعض يسميها التلفزيون الاجتماعي Social TV)، فبينما تشاهد برامجك المفضلة فأنت تطلع على ما يشاهده ''الأصدقاء'' وتطلع على تعليقاتهم، وهذا في رأيي - كما قلت الأسبوع الماضي في مؤتمر عرب نت في القاهرة - سيحل مشكلة ''الفيديو حسب الطلب''، حيث كان كثير من الناس يفضل مشاهدة التلفزيون على أن يختار بنفسه ما يشاهد من قائمة؛ لأنه لا يريد اتخاذ قرارات ويريد أن يكون جزءا من المجتمع. الإعلام الاجتماعي سيساعد الناس من خلال معرفتهم بما يشاهده الآخرون أن يختاروا بسرعة من قوائم البرامج، وأن يشعروا بأنهم قريبون مما يشاهده شبكتهم من الأصدقاء على ''فيسبوك'' أو ''تويتر'' أو ''جوجل بلس''.
أحد التقارير تقول إن ''أبل'' كانت في طريقها السريع لإنتاج جهاز تلفزيون خاص بها في عام 2012، وكان الراحل ستيف جوبز يطالب فريقه بأسلوب يحل مشكلة الريموت كنترول الذي كان يكرهه؛ لأنه جهاز ''غبي''، وكانت هناك أفكار كثيرة إلى أن جاءت الفكرة الأمثل وهي استخدام الأوامر الصوتية في نظام تم تطويره ضمن أبل. وفاة ستيف جوبز قد تؤخر المشروع ولكن ''أبل'' لن تتنازل عنه، حيث تقول إحدى الدراسات إنه سيضيف لدخل ''أبل'' نحو 19 مليار دولار سنويا.
''جوجل'' من جهتها أعلنت يوم الجمعة الفائت نسخة جديدة من نظام (وليس جهاز) Google TV، حيث صار أسهل بكثير، وفيه إمكانية البحث المتقدم، إضافة لتقديم اقتراحات لما تشاهده بناءً على سلوكك السابق، ودعم أفضل لـ''يوتيوب'' والتطبيقات للتفاصيل: google.com/tv.
قبل أسبوعين كنت في فرنسا مع مجموعة من أشهر المتخصصين في مجال التلفزيون الذكي، وكان هناك نوع من الكهرباء التي بعثت حماسا في نفوسهم مع التوقعات الضخمة لنمو أجهزة وبرامج وأنظمة وتطبيقات التلفزيون الذكي ودخولها كل منزل، هناك مليارات الدولارات أمامهم تنتظر منهم الانتهاء من هذا المنتج، لكن القضية الوحيدة التي ستكون التحدي الأكبر لنجاحهم والتي يحاول كل هؤلاء تجاهلها هي ببساطة أن هذه الأنظمة ستمثل تحديا هائلا لأنظمة الكيبل والأقمار الصناعية حول العالم والتي تحقق أيضا مئات مليارات الدولارات من تزويد المنازل بالتلفزيون التقليدي، وهي تملك عقودا قوية وطويلة المدى مع قنوات التلفزيون، وهي ستحاول إجبار القنوات التلفزيونية على ''محاربة'' التلفزيون الذكي ومقاطعته؛ مما سيضع ضغطا على قنوات التلفزيون لتقديم المميز حتى لا يقرر الجمهور ترك التلفزيون التقليدي نحو التلفزيون الذكي، أي بكلمات أخرى استبدال القنوات بقوائم البرامج حسب الطلب.
حاليا يوجد ما يسمى بـHybrid TV وهو الذي يجمع بين النظامين معا، وهناك حلول أخرى، ولكنه على كل حال سيبقى جهاز التلفزيون سيد الموقف متصدرا غرفة الجلوس، ومستعيدا مكانته أمام المنافسة الحادة من أجهزة الآيباد ''وأخواتها''..

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي