20 عاما من التحديات.. ومزيد من التلاحم السعودي

كل عشر سنوات تقريباً تمر المملكة بمحن وصعاب وتحديات تجعلها أمام امتحان صعب يختبر الكثير من أسسها وأركانها حكومة وشعباً. ففي بداية التسعينيات 1990/1991، كان غزو صدام للكويت مثابة تحد كبير جابهته القيادة والشعب بكل ضراوة، واعتبر استفتاء شعبياً على اللحمة الكبيرة بين المواطن والقيادة انتهت بخروجها منتصرة بدحر العدوان وعودة الكويت. وفي بداية الألفية الجديدة وفي عام 2001، دخلت المملكة في حرب كونية باردة بعد هجمات 11 من أيلول (سبتمبر) على برجي منظمة التجارة العالمية في أمريكا، بعد أن كان تسعة من متهمي الطائرات التي هاجمت برج التجارة العالمية يحملون الجنسية السعودية. وخرجت المملكة منتصرة بعد إعلانها الحرب دون هوادة على الإرهاب، وسعت في تحسين صورة الإسلام التي لوثها الإرهابيون بعد أن حاول الإعلام الغربي تصوير الإسلام على أنه صنو للإرهاب. ويبدو أن الحرب على الإرهاب وتحسن صورة الإسلام نجحت هذا العام بمقتل أسامة بن لادن وآخرين من زعماء القاعدة، مع انتصار يبدو في الأفق للربيع العربي الذي أبرز لهفة شعوب الربيع العربي على تبني التصور الإسلامي المعتدل في قيادة دفة حكم تلك الشعوب، وهو الطرح السعودي المعتدل والوسطي للإسلام. وخلال هذا العام، واجهت المملكة (أم التحديات) في انتشار الربيع العربي في تونس وليبيا ومصر وسورية مع ما ظهر لها من تبعات في البحرين، وبعض الأصوات النشاز في الداخل. وكانت وقفة المملكة الحازمة والواضحة أمامها دليلا على قدرتها على التعامل مع الأزمات بطريقتها التي أصبحت من الطرق التي يستشهد ويستعان بها من قبل الدول الأخرى.
وفي خضم تلك الأحداث، مرت المملكة على مستوى القيادة بامتحان صعب في وفاة ولي عهد المملكة في حالة هي الأولى من نوعها في أن يتوفى ولي العهد قبل الملك، وما يتطلب ذلك من امتحان صعب لقدرة المملكة على تجاوز ذلك بتفعيل دور الأنظمة والتشريعات، وتقريب وجهات النظر بين كبار العائلة الحاكمة التي أثبتت تماسكها بقوة. فغياب ولي العهد - رحمه الله - جاء في وقت كان ملك البلاد يرقد في المستشفى لتلقي علاج في إحدى فقرات ظهره. إن هذا الصورة المكثفة التي حدثت خلال ثلاثة أيام بين دخول الملك عبد الله المستشفى ووفاة الأمير سلطان بن عبد العزيز - رحمه الله - كان يمكن أن تكون مفصلية في تاريخ العائلة وتاريخ المملكة.
جاءت هذه الأحداث وكأنها بوتقة اختبار أخرى بين قدرة العائلة الحاكمة على ترتيب البيت الملكي، وبوتقة اختبار حقيقية بين تلاحم القيادة والشعب في خضم أحداث جسام في العالم العربي. لقد أثبت الجميع قدرتهم على تجاوز هذه المحنة. فقد التف الشعب بكل أطيافه حول الأسرة الحاكمة في تقديم واجب العزاء وإبداء حزن عميق لم تشهده السعودية منذ سنوات طويلة، خصوصا أن المتوفى هو من له أيد بيضاء في مسيرة السعودية في كل المجالات دون استثناء. فهو العضد الأيمن لكل الملوك حتى قبل أن يصبح وليا للعهد، لتجد لمساته السياسية والإدارية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية واضحة وشاهدة للعيان ستعجز صفحات التاريخ عن توثيقها بالشكل المطلوب لتعددها وتداخلها مع بعضها البعض، ناهيك عن التحفظ الذي تتبناه القيادة السعودية في تبيان الجهود الكبيرة التي يبذلها قادة الدولة حتى لا يساء فهمه. ما يجعلني أطالب بأن تعلن المبادرات الشخصية وكذلك الحكومية في معالجة الظواهر التي تتعرض لها المملكة بين الحين والآخر. إن ما نسمعه اليوم من شهادات موثقة من أناس تعاملوا مع الأمير سلطان - رحمه الله - دلالة على اهتمام القيادة العليا بتفاصيل صغيرة لا يعرفها الناس، مما يتطلب نشر الجهود التي تبذلها الحكومة قيادة وأفرادا لمواجهة القضايا الراهنة، خصوصاً أن الأحداث الجسام التي تعرضت لها المملكة خلال الـ 20 عاما الماضية تثبت مدى التلاحم الكبير بين القيادة والشعب.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي