Author

مكتبة متنقلة لمجتمع متنقل

|
يعاني أطفال شمال شرقيّ كينيا من تنقل أسرهم المستمر بحثاً عن الماء والعشب لحيواناتهم، حياة البدو هذه عطّلت إمكانية انتظام الصغار في مدارس البلاد الرسمية وتحولت ظلال الأشجار وأركان بيوت الطين إلى فصول ''طارئة''. يساهم المتعلمون الكبار من أبناء القبائل وبما يتوافر لهم من إمكانيات في التعويض عن هذا النقص، فرمال الصحراء تصبح سبورة ممتدة والحصى طباشير! ولكن العنصر الأهمّ في العملية التعليمية ''الكتاب'' لم يوجد في هذا السيناريو المرتجل، لذلك ظهرت فكرة قوافل الكتب المحمولة على الجمال. في مناطق تبعد عن نيروبي نحو 400 كم تبدأ القوافل بالمسير في الصباح الباكر وتعمل من الإثنين إلى الخميس، أحد الجمال يحمل صندوقين في كل منهما نحو 200 كتاب وباقي القافلة تحمل المعدات اللازمة لفريق المتطوعين. تصل القافلة حيث تستقر القبائل، وتبدأ بتوزيع الكتب على الأطفال، في مجموعة الكتب هذه مواضيع متعددة ما بين العلمية والترفيهية. لكن الهدف الرئيس لهذه الكتب هو محاولة تعريف الأطفال باللغة - الإنجليزية في هذه الحالة - والتعود على القراءة التي وإن تعلموا مهاراتها الأساسية لن تتطور في غياب الكتاب. يحتفظ الأطفال بالكتب لمدة أسبوعين، وعندما تعود القافلة مجدداً يجددون استعارتهم للكتاب أو يحصلون على كتاب جديد. هذه الجهود التي تدعمها الحكومة الكينية أثمرت في تحسين أداء الأطفال في الاختبارات العامّة كما دلت الإحصائيات، واليوم تضم سجلات مكتبات الجمال ما يزيد على ثلاثة آلاف طفل مستفيد! الهدف من الحرص على إيصال التعليم لمناطق شمال شرق كينيا يأتي بسبب الإحصائية المرعبة للأمية بين القبائل إذ تصل إلى 85 في المائة، ما سيترك أثراً كبيراً على النمو الاقتصادي والاجتماعي لديهم. تلك الأسر لا تملك من المال ما يكفي لسدّ الجوع وشراء متطلبات الحياة الأساسية، فما يتوافر لدى ربّ الأسرة سينفقه على تلك الأساسيات والكتب في حال توفّرت لا ينظر لها نظرة أهمية. قافلة الكتب مبادرة رائعة لكنها بحاجة مستمرة للدعم، وما تقدمه الحكومة الكينية جيّد لكنه ما زال دون المأمول، فالقائمون على العملية بحاجة لمزيد من الجمال والمعدات الأخرى مثل السيارات والدراجات النارية ويحتاجون نقاط استقرار في مواسم الجفاف. خلال تشرين الأول (أكتوبر) الجاري يقام في (بالو ألتو - كاليفورنيا) الأمريكية المهرجان الدوليّ للأفلام الوثائقية التابع للأمم المتحدة (UNAFF)، والذي يسمّى بـ ''أم مهرجانات الأفلام الوثائقية''. هذا العام كان الموضوع الرئيس ''التعليم.. حقّ إنساني'' وعرضت فيه 70 فيلماً، تنوعت مواضيعها بين قصص التعليم الملهمة والعقبات التي تواجه الأمم الفقيرة للحدّ من الأمية والمحافظة على تعليم جيد للجميع. خلال المهرجان عرض الوثائقي ''قافلة الكتب - مكتبات كينيا المتنقلة'' للمخرج الألماني هربرت أوستوالد، الذي يتتبع فيه مسيرة قافلة الكتب وكيفية الاهتمام بالجمال واختيار الكتب وإصلاح ما يتلف منها. الوثائقي يضع الفكرة التي بدأت ببساطة أمام أعيننا لتأمل المبادرات من هذا النّوع وهي تكبر وتحقق أهدافها، لا يمكن القول إن شخصا وحيدا - مثلاً - لن يصنع الفرق. نتأمل الأطفال وهم ينتظرون تحت ظلّ الشجر اليابس بضع صفحات يمررون أصابعهم عليها ويحتفلون بالكلمة، يحتفلون بكلّ حرف بينما في مكان آخر تمزّق الكتب ''بطراً''!
إنشرها