الأمير سلطان وسجل العطاء الوطني في المملكة
رحل الأمير سلطان راضيا مرضيا بعد أن أدى دوره طوال نصف القرن الماضي فصار ركنا أساسيا في تاريخ المملكة وركنا في بنيانها الداخلي وعلاقاتها الخارجية وجزءا أصيلا من تركيب السلطة والقيادة فيها، وقد عُرف الأمير سلطان عند الشعب السعودي بمواقفه الإنسانية المشهودة، كما عُرف بهذه المواقف في الخارج، حيث جعل المستشفيات العسكرية في المملكة ملاذاً لكل مريض سعودي أو عربي، وقد استفاد من هذه الميزة العشرات، بل المئات، وقد كانت رعاية الأمير سلطان تمتد إلى ما هو أبعد من العلاج، وقد جعل المستشفيات العسكرية جزءا أصيلا في دور الجيش السعودي في خدمة المجتمع فذاع صيتها الطبي واستقطبت أفضل الكفاءات الطبية في العالم. وتعهد الأمير سلطان بحماية المملكة بجيش وطني يدرك مسؤولياته في الدفاع عن الوطن ونصرة الأشقاء، ونذكر لتذكير بدور الجيش السعودي بقيادة الأمير الدكتور خالد بن سلطان في حماية حدود المملكة ضد التجاوزات من داخل اليمن عام 2010، وكذلك ما قام به الأمير خالد مشاركا في القيادة المشتركة الأمريكية - السعودية للتحالف الدولي لتحرير الكويت عام 1961. والغريب أن رعاية الأمير سلطان للجيش طوال نصف القرن الماضي قد ارتبط أيضا برعايته لملف تسوية الحدود بين المملكة وجيرانها، وبرز ذلك بشكل أخص مع اليمن وتثبيت الحدود الجنوبية للمملكة وتوثيق العلاقات مع الشعب اليمني. والمعلوم أن المملكة قد سوت جميع مشاكل حدودها مع جميع الدول المجاورة وهي الكويت والبحرين وقطر والإمارات وعمان واليمن وإيران، وكانت الحدود مع العراق قد سويت في ثلاثينيات القرن الماضي بعد قيام السعودية. وهكذا قام الأمير سلطان بالدور المطلوب في تحقيق الأمن الجماعي في الخليج إزاء أكبر زلزال في الخليج وهو الغزو العراقي للكويت، الذي كان اختبارا قاسيا لمدى جدوى مجلس التعاون الخليجي وللمملكة شخصيا؛ لأنه أثار جدوى التحالف، بينما الكويت يُحتل من جانب دولة خارجية. ولا شك أن الحرب العراقية الإيرانية قد ألقت بمسؤوليات جديدة على الأمير سلطان كوزير للدفاع، حيث برزت إيران كقوة إقليمية بعد قيام الثورة الإسلامية فيها وكان استعداد الجيش السعودي للدفاع عن المملكة أحد أهم ضمانات الحماية لها، خاصة بعد أن شهد الخليج تصدي السفن الإيرانية للسفن الناقلة للبترول في الخليج ودخول الولايات المتحدة لحماية السفن الكويتية. ولا شك أن العراق وإيران شكلت التحديات العسكرية الكبرى للمملكة وأن الاستعانة بالقوات الدولية للمساعدة في تحرير الكويت جعل المملكة مقرا لقيادة التحالف لتحرير الكويت، وهي مهمة معقدة تحتاج إلى دقة وحكمة حتى تؤدي الحملة الهدف المنشود وهو تحرير الكويت بأقل قدر من الأضرار السياسية والاجتماعية داخل المملكة. وقد تعرضت المملكة هي الأخرى لعدوان عراقي بالصواريخ كما تردد أن المملكة كانت ضمن الأهداف العراقية، خاصة منابع النفط على شواطئ الخليج.
في ضوء ذلك يمكن أن نتخيل الأعباء الجسام التي تحملها الأمير سلطان في خضم هذا الاختبار العسير.
وقد أخلص الأمير سلطان للعهد في ولاية العهد. رحمه الله رحمة واسعة.
لقد كانت المدة الطويلة التي تولى فيها الأمير سلطان مسؤولية وزير الدفاع كافية لاختبار قدرته على الدفاع عن أراضي المملكة.