وداعاً عاشق الخير
فقدت المملكة علماً من أعلامها ورجل دولة ورجل إنسانية من طراز فريد، عاصر مراحل دقيقة من تاريخ هذه الأمة. كان شاهداً على كل الأحداث، ومشاركاً في صناعة العديد من القرارات الحاسمة التي اتخذتها المملكة خلال عقود عديدة من الزمان.
فقدنا جميعاً الأب والأخ الكبير الأمير سلطان بن عبد العزيز - رحمه الله - الذي وافته المنية فجر يوم السبت الماضي، ولا نملك في هذا الحدث الجلل إلا أن ندعو لفقيدنا الغالي بالرحمة والمغفرة وحسن ثواب الآخرة، ونرفع لمقام خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، خالص التعازي وصادق المواساة لوفاة أخيه وساعده الأيمن وولي عهده الأمين، والعزاء والصبر والسلوان لجميع أفراد العائلة المالكة الكريمة.
كلنا يعرف من هو الأمير سلطان سواء من خلال مواقفه الإنسانية المعلومة للقاصي والداني و عطائه الذي ليس له مثيل، أو من خلال دوره السياسي المؤثر محلياً وإقليمياً وعالمياً. لكن إذا نظرنا إلى سيرته الذاتية في العمل العام سنلمس حجم الإنجاز الذي حققه لهذا الشعب في جميع المناصب التي تقلدها، فقد أولاه والده الملك عبد العزيز آل سعود - طيب الله ثراه - ثقته وعينه أميراً على الرياض في عام 1366هـ. وكان من بين أهم الأعمال التي قام بها في ذلك الحين هو مشروع توطين البادية.
شغل منصب وزير المواصلات في عام 1375هـ، حيث أسهم في إدخال شبكات المواصلات البرية الحديثة والاتصالات السلكية واللاسلكية وطريق السكة الحديد بين الرياض والدمام.
وحين تم تعيينه وزيرا للدفاع والطيران في عام 1382هـ شهدت القوات المسلحة على يده تطورات واسعة تمثلت في إعادة بناء وتدريب القوى البشرية للقوات المسلحة، والاهتمام بالتسليح في جميع أفرع القوات المسلحة السعودية. كما تولى - رحمه الله - لسنوات طويلة رئاسة اللجنة العليا للإصلاح الإداري التي أصدرت العديد من القرارات المهمة لتنظيم وإعادة هيكلة الوزارات والمؤسسات العامة بهدف رفع كفاية أداء الجهاز الحكومي.
وعندما أصبح الأمير سلطان بن عبد العزيز - رحمه الله - ولياً للعهد ونائباً لرئيس مجلس الوزراء وذلك في عام 1426هـ، كان الساعد الأيمن لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله - منذ ذلك الحين حتى وافاه الأجل المحتوم.
ولقد عرف عن الأمير سلطان عشقه للخير ، فكم من الأسر المحتاجة التي حظيت برعايته الكريمة، وكم من المرضى الذين تكفل بعلاجهم، وكم من المستشفيات والمراكز الصحية التي أنشأها على نفقته الخاصة لعلاج الفقراء، فقد أسس - رحمه الله - مؤسسة خيرية تحمل اسمه، وتقوم هذه المؤسسة بجهود خيرية كبرى في مجالات متعددة أبرزها الصحة والتأهيل الشامل والإسكان الخيري.
لقد عبرت أيادي سلطان البيضاء الحدود فوصلت إلى دول وشعوب في جميع أنحاء المعمورة.
إن الجوانب الإنسانية في شخصية الأمير سلطان قد تحتاج إلى مجلدات ومؤلفات يشارك فيها نخبة من المؤرخين والكتاب، ولعلهم يستطيعون ذلك لأن ما قدمه سموه من أعمال إنسانية في السر يفوق بمراحل ما قدمه في العلن.
.. ''إنا لله و إنا إليه راجعون''.