لماذا مشروع صدارة للكيماويات؟
دلالات كثيرة يمكن استنتاجها من المشروع الأخير لـ''أرامكو'' و''داو''، وأهمها قناعة وزير النفط و''أرامكو'' بوجود الغاز كلقيم لمشروعات البتروكيماويات السعودية، وبالتالي يبدد مخاوف الشركات العاملة في هذا القطاع عند تجديد اتفاقيات الغاز مع ''أرامكو''. إذ إن البديل سيكون النافثا بما يحمله من تعديلات على تقنية مكسرات اللقيم وزيادة التكاليف على شركات البتروكيماويات. فحسب وزير النفط السعودي في حديثه لجريدة ''الاقتصادية'' ''يجب أن يفهم الجميع أن احتياطي المملكة من الغاز يبلغ 284 تريليون قدم مكعبة، والمملكة تعد رابع دولة في احتياطي العالم من الغاز، وأن هناك استثمارات كبيرة في الغاز تعد الأكبر في العالم، وسترفع المشاريع المقبلة اللقيم القادم للمعامل من تسعة مليارات قدم مكعبة يوميا إلى 15 مليار قدم مكعبة.. وأن معظم اللقيم المستخدم في مشروع صدارة من النافثا، وهي سوائل منتجة من البترول، ويشكل الغاز الطبيعي نسبة قليلة منه، مشيرا إلى أن المملكة تسعى إلى رفع معدل استخدام الغاز في إنتاج الطاقة، لكن الهدف الأهم هو توسعة القاعدة الصناعية في البلد لكل أساليب الطاقة، سواء كانت سوائل أو غازا''. انتهى كلام وزير النفط السعودي الذي نستنتج منه أن ''صدارة'' ستعتمد بشكل كبير على النافثا، ما يعني أنها لن تكون مزاحماً للشركات الأخرى على لقيم الغاز، ما قد يبرر دخول ''أرامكو'' لقطاع البتروكيماويات.
والدلالة الأخرى التي نستنتجها أن المملكة عازمة على رفع حصتها في قطاع البتروكيماويات في السوق العالمية، التي تعتبر متدنية عطفاً على كونها تملك أكبر احتياطي نفطي في العالم ورابع احتياطي في الغاز، فحصة اليابان السوقية في قطاع البتروكيماويات، وهي الدولة المستوردة للنفط والغاز أكبر من المملكة. ولا شك أن ''سابك'' والشركات البتروكيماوية الأخرى قامت برفع طاقاتها الإنتاجية بشكل كبير في السنوات الأخيرة، إلا أن وجود ''أرامكو'' يسهم في رفع حصة المملكة بشكل أكبر عطفا على حجم المشاريع التي ستقوم بها، حيث سيتطلب مشروع صدارة نحو 20 مليار دولار من الاستثمارات. يضاف إلى ذلك أن ''سابك'' اخترقت الأسواق الأوروبية والأمريكية بشراء شركات في القطاع، ودخلت في الصين بشراكات ضخمة. وتنوي ''أرامكو'' الاستثمار في قطاع البتروكيماويات في دول مثل إندونيسيا وفيتنام. كل تلك الخطوات تصب في مصلحة التوسع الاستراتيجي للمشتقات البتروكيماوية السعودية، فمشروع شركة صدارة- مثلاً- سيضم 26 وحدة تصنيع عملاقة وسيصبح من أكبر مرافق الكيماويات المتكاملة في العالم بحجم 20 مليار دولار، ليكون بذلك أكبر استثمار أجنبي تشهده المملكة.
ويمكن إضافة دلالة ثالثة تتمثل في المصاعب والعوائق التي تعتري مثل تلك الصناعات، فـ ''أرامكو'' وشركة داو بدأتا المحادثات في 2007، وتم نقل المشروع من رأس تنورة إلى الجبيل 2، وبدأت البنية التحتية لمثل هذا المشروع للتو بعد أربع سنوات من العمل الشاق. بل إن تدخل صندوق الاستثمارات العامة في المرحلة الحالية بتقديم قرض جسري بنحو ملياري دولار سيكون دعامة لنجاح البدايات لمشروع عملاق كهذا. ناهيك عن أن حصول الشركة على قرض بهذا الحجم من البنوك يبدو صعباً، ومع ذلك فإن هناك تساؤلا عن رأسمال هذه الشركة التي لم يعلن عنه.
ودلالة رابعة تأتي في أن المملكة عازمة على تنويع الاقتصاد المحلي منطلقة من تنويع صناعة النفط نفسه، فبعد أن كان الغاز يحرق حتى بداية الثمانينيات، بدأت الصناعات البتروكيماوية في الاستفادة من الغاز والنافثا في الصناعات الأساسية للبتروكيماويات، وفي مرحلة لاحقة شجعت القطاع الخاص على الدخول في مشتقات أخرى، ركز فيها المستثمر الخاص على المشتقات الربحية وعدم مزاحمة ''سابك'' في صناعاتها الأساسية، ما حقق نجاحات باهرة. إلا أن مشتقات المشتقات في صناعات البتروكيماوية عديدة ومتشعبة بشكل لا يمكن حصرها هنا. إلا أنها تتطلب استثمارات ومخاطر أعلى ومردودا أقل مما لا يجعلها جذابة للمستثمرين الأفراد. فحسب الرئيس التنفيذي لـ ''أرامكو''، فإن المشروع المشترك سيقدم دوراً محورياً في استراتيجية المملكة الرامية إلى التحول في المستقبل، ليس فقط إلى مجرد منتج للكيماويات واللدائن، إنما إلى مركز للصناعات التحويلية. فالمنتجات ستشمل مجموعة كبيرة من المنتجات عالية الأداء مثل مركبات البولي يوريثان (مركبات الآيزوسيانات وبوليول البولي إثير)، وأكسيد وقليقول البروبيلين، وأنواع المطاط الصناعي (الإيلاستومر)، والبولي إيثلين منخفض الكثافة الخطي وغير الخطي، وقليقول الإثير، ومركبات.
والدلالة الأخيرة وهي استفادة الأفراد من هذا المشروع عن طريق التوظيف المباشر الذي قد يصل إلى أربعة آلاف موظف، وعن طريق طرح أسهم الشركة للاكتتاب العام. فحسب الشركة، فإنه سيتم طرح 30 في المائة منها للاكتتاب العام بعد بداية الإنتاج والتأكد من نجاح المشروع. وحسب علمي، فإن مشروعات البتروكيماويات يجب أن تطرح 50 في المائة من أسهمها حسب القرار الحكومي بذلك.