المسكن: إنها قصة التمويل لا غير

كنت مع مجموعة من الأقارب والأصدقاء بأعمار مختلفة وخبرات مختلفة. وبعضهم من الذين لهم بعد نظر وخبرات عالية في قضايا التنمية. وكان الطرح مباشرا وتلقائياً. فقد طرح أحدهم رأيا ببناء مليون وحدة عن طريق ترسيتها على شركات عالمية خلال عام. وآخر بشراء شقق تمليك وتسليمها للشباب حال تخرجهم من الجامعة. وثالث بإقرار بدل السكن. وآخرون باستعادة الأراضي الشاسعة إلى ملكية الحكومة وتمليكها للمواطنين. وهكذا تم التطرق لعدة حلول أخرى قد لا أتذكرها هنا.
وكان ردي أن مثل هذه الحلول مباشرة وغير قابلة للتطبيق. بل إن الحكومة تبنت عدة حلول مشابهة لما طرح ولم تقدم نتائج ملحوظة حتى الآن. فقد اعتمدت الحكومة 250 مليار ريال لوزارة الإسكان لبناء 500 ألف وحدة سكنية في خمس سنوات ولم يتحقق شيء ملحوظ على أرض الواقع حتى الآن. وأن القضية ليست في البناء فقط بل في قدرة المواطنين الشرائية على تملك هذه المساكن وتسديد أقساطها السنوية. ناهيك عن مدى ملاءمتها للعيش ومواءمتها لمتطلباتهم الحياتية كقربها من مقر أعمالهم والخدمات التعليمية والطبية لأبنائهم. وكان أحدهم قد قال إن أكبر الأخطاء أن هذه المبالغ قد تم ضخها من خلال النظام والبيروقراطية الحكومية التي لن تحقق ما نصبو إليه. والبديل أن يعهد بها إلى القطاع الخاص الذي بمقدوره تحقيق المعادلة المطلوبة. ولكن الإشكالية أن القطاع الخاص لن يقدم هذه الوحدات - وإن استطاع تحقيق أهداف الحكومة في بناء 500 ألف وحدة سكنية – بأسعار في متناول الجميع.
إن الحل لأية مشكلة لا تأتي إلا عن طريق تصورها وفهمها بوضوح كما هي في الواقع. فالأرقام تشير إلى أننا بحاجة 135 ألف وحدة سكنية في السنة، وأن تمويل هذه الوحدات ستصل إلى نحو 80 مليار ريال. وأن ما تم بناؤه في السعودية خلال عام لم يتجاوز 30 ألف وحدة سكنية. وأن معظم تلك الوحدات تأتي عن طريق الأفراد أو مؤسسات فردية تبني وتبيع وبتمويل ذاتي. وأن البنوك السعودية لم تقدم إلا نحو 17 مليار ريال لتمويل المساكن. وأن صندوق التنمية لم ينجح إلا في بداياته وعندما زاد النمو السكاني نضبت موارده ولم يعد إلا نقطة في بحر لا يستطيع عمل شيء حتى لو قدم قرض بمليون ريال.
من الواضح أن أكبر عقبات تملك المسكن الملائم من حيث الموقع والمساحة والتصميم والملاءمة هو التمويل. متى حصل المواطن على المال الكافي أو القدرة للحصول على مال كاف لتملك منزل، فإن 90 في المائة من عقبات تملك المنزل قد زالت. وتبقى العوامل الأخرى متعلقة بالإجراءات الروتينية الحكومية مثل التراخيص وخدمات البنية التحتية وتعدد الأدوار والمواصفات والأسعار وخلافة من الإجراءات التي تعوق نمو هذا القطاع. وقطاع التمويل لا يمكن أن يكون فعالاً إلا إذا وجد أنظمة وتشريعات تحميه وتحمي كل الأطراف المتعاملة. ولن يكون المال فعالاً إلا إذا وجد إدارة تعرف كيف وأين توظفه ومن تعطيه ومن لا تعطيه. والقطاع الخاص هو الأقدر والأجدر على إدارة الأموال وهو يحتاج إلى أنظمة وتشريعات تحميه فقط.
تخيل لو أن مبلغ المائتين وخمسين ملياراً وكذلك رأسمال صندوق التنمية العقارية لو تحولت إلى شركة تمويل ضخمة بين الحكومة والقطاع الخاص برأسمال 500 مليار ريال لتمويل قطاع الإسكان وضمان قروض الإسكان. وأضيف إليها تشريعات تشجع إنشاء شركات تمويل وتطوير عقاري، وأصبحت أنظمة تراخيص البناء وتكاليفها مثل إيصال البنية التحتية من ماء وصرف صحي وكهرباء سهلة وفي متناول الجميع كيف سيكون مستقبل تملك المسكن.
إنه بلا شك سيكون مشرقا للغاية فكم من الناس الذين قاموا بأنفسهم من بناء بيت الحلم من مواردهم الذاتية. ولأن رواتبهم لا تكفي قاموا بالاقتراض من الأقارب والأصدقاء وقاموا بشراء سيارات وتوريقها وحصلوا على المال وبنوا بيتهم طوبة طوبة وسددوا قروضهم وهم الآن يعيشون في مسكن آمن. إنهم الغالبية العظمى من أبناء الوطن ولدى كل واحد منكم قصة مشابهة لرجل عصامي حقق حلم المنزل. إنها قصة التمويل لا غير.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي