شكوى المبتعثين.. عود على بدء

على الرغم من الجهود الكبيرة التي تبذلها وزارة التعليم العالي في إدارة برنامج خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز للابتعاث، والخدمات التي تقدمها لأبنائنا وبناتنا الدارسين في الخارج، طالعتنا في الآونة الأخيرة بعض الصحف المحلية والمواقع الإلكترونية بشكاوى عن معاناة عدد من الطلبة المبتعثين إلى الولايات المتحدة الأمريكية جراء تأخير صرف المكافآت الشهرية وتسديد الرسوم الدراسية للجامعات. كما تضمنت تلك الشكاوى صعوبة الاتصال بالمشرفين الأكاديميين والمسؤولين الآخرين في الملحقية. و قد سبق أن أثيرت شكاوى مماثلة في عام 1427هـ، إلا أن وتيرة الشكاوى الأخيرة قد زادت بشكل ملحوظ إلى حد أن بعض المتضررين من المبتعثين دعا إلى عمل تجمعات (جريدة الوطن في 7/10/1432هـ). ويبدو أن هناك أسبابا عدة تراكمت ما أدى إلى حدوث فجوة بين احتياجات الأعداد الكبيرة للطلبة المبتعثين وقدرة الملحقية على مواكبة تلك الاحتياجات في المواعيد المطلوبة.
ولعل من الإنصاف القول أن الوزارة لم تقف مكتوفة الأيدي أمام تلك المشكلة عندما برزت قبل حوالي خمس سنوات بل سارعت إلى تنفيذ عدد من الخطوات من بينها زيادة عدد العاملين من مشرفين أكاديميين وغيرهم، وتأسيس بوابة إلكترونية للتواصل بين الطلاب والملحقية. على أنه يبدو من مطالعة الشكاوى الأخيرة أن تلك الخطوات لم تكن كافية، وأن هناك حاجة إلى معالجة تقتلع المشكلة من جذورها بعيدا عن الأدوات التقليدية. تلك المعالجة أحسب أنني سبق أن طرحتها في مقالة نشرتها "الاقتصادية" في 30/10/1427هـ كنت قد دعوت فيها إلى إعفاء الملحقيات الثقافية في الخارج من مسؤولية صرف المستحقات المالية للطلبة والجامعات وإسنادها إلى بعض المصارف السعودية تحت إشراف مكاتب أو إدارة تؤسس في وزارة التعليم العالي لذلك الغرض فقط.
إن الآلية المقترحة لتوظيف المصارف المحلية في تحويل مخصصات المبتعثين إلى حساباتهم مباشرة لا تختلف كثيرا عن الأسلوب الذي تستخدمه الحكومة والمؤسسات العامة في صرف رواتب موظفي الدولة ومعاشات المتقاعدين. كما أن التحول المقترح في مركز تقديم الخدمات المالية للمبتعثين من الملحقيات إلى الرياض لا يتطلب جهازاً كبيراً من الموظفين، بل المطلوب عدد محدود من الشباب المؤهلين الذين سبق وأن تلقوا تعليمهم في الدول التي سيسند إليهم متابعة صرف مستحقات المبتعثين إليها، ووسائل جيدة كافية للاتصال على مدار الساعة بالهاتف، الفاكس، والإنترنت مراعية فوارق التوقيت. أما المهمة التي ينبغي على ذلك الفريق إنجازها فهي تزويد بعض البنوك المحلية في منتصف كل شهر ميلادي بقائمة تضم أسماء المبتعثين وأرقام حساباتهم، وأخرى بأسماء الجامعات، وأرقام حساباتها، الرسوم المستحقة، وتاريخ استحقاقها. وهي تحويلات ذات طابع متكرر إلا أنها تتطلب إشرافاً جيداً، ودقة في العمل، ومتابعة تلقائية للتثبت من وصول المبالغ إلى أصحابها بشكل منتظم دون الحاجة إلى تمرير تلك الخطوة عبر الملحقية أو غيرها. ونفس القول يمكن أن ينسحب على مبالغ الرسوم الدراسية والضمانات البنكية التي تطلبها الجامعات.
إن صرف مستحقات المبتعثين ورسوم جامعاتهم بشكل مباشر عن طريق البنوك المحلية قد يشكل خياراً جيداً لوزارة التعليم العالي ضمن جهودها المتتابعة لتطوير إدارة برنامج الابتعاث والارتقاء بمستوى الخدمات التي توفرها لأبنائنا وبناتنا الدارسين في الخارج. كما أن تأسيس إدارة تعنى بهذا الأمر في الرياض سيكون أقل تكلفة وأكثر انضباطا واستقرارا مقارنة بتوظيف كوادر جديدة في الملحقيات.
وربما أحد الجوانب الجميلة في ذلك المقترح هو أن الإمكانات البشرية وغيرها المتاحة حاليا في الملحقيات الثقافية يمكن تسخيرها بالكامل لمتابعة شؤون المبتعثين الأكاديمية ما يكفل لهم وقتا كافيا لسماع ودراسة حاجاتهم، وقضائها دون معاناة أو تأخير. بالطبع هناك حالات من الصعب فصل الجانب الأكاديمي لها عن الجانب المالي، غير أنني أحسب أنها قليلة نسبيا ولا تعد سببا كافيا لاختزال المحاسن الكثيرة التي ينشدها المقترح المطروح.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي