"أصبح الشأن الصحي هاجسا يؤرق وزارات الصحة في كل دول العالم؛ مما جعلها تخصص من أجله الميزانيات الكبيرة، والموارد المختلفة، هذا بالإضافة إلى ما تواجهه وزارة الصحة في المملكة تحديدا من تحديات أخرى، تتعلق بكبر مساحة المملكة وصعوبة جغرافيتها واحتوائها على أكثر من ألفي قرية ومدينة صغيرة تتناثر على مسافاتٍ متباعدة ومناطق وعرة، الأمر الذي زاد من صعوبة تقديم الخدمات الصحية بالسرعة والكفاءة المطلوبة" ص 6. وهذا صحيح ولكن ما الدول التي جغرافيتها سهلة؟ وما المقصود من هذه العبارة؟ هل هو البحث عن عذر لتقصير ما فائت أم قادم؟ وأين التعاون المباشر بين وزارة الصحة والحرس الوطني (سلاح الجو مثل الطوافات لنقل المصابين والكوارث) والجيش ممثلا بسلاح المهندسين والقوات البرية (لشق الطرق وإقامة الجسور والسدود والمطارات) ووزارة البلديات والمواصلات لإقامة الطرق وتخصيص أراضي للمنشآت الصحية وتأسيس البنية التحتية من مياه (وزارة المياه) وشبكة مجاري وتصريف سيول (البلديات) وغيرها من أجهزة الدولة الأخرى. وهذا التعاون يجب أن يكون مباشرا عن طريق الكفاءات التي لديها المسؤولية والصلاحية المباشرة لإنجاز هذه الأعمال ويبعَد عنها البيروقراطية البطيئة المملة.
وفي صفحة 6 ذكر أهمية البحث العلمي والممارسة الطبية المبنية على الدليل العلمي أو البراهين والرعاية الصحية الشاملة، ثم "تعزيز الصحة، والتثقيف الصحي، والوقاية قبل العلاج، والكشف المبكر عن الأمراض ودراسة أنماطها من حيث النِسب وأسباب الحدوث والتوزيع الجغرافي والسكاني، وضرورة وجود سجل وطني يعنى بتسجيلها، وتحليل بياناتها؛ مما يضاعف الحاجة إلى تضمينها في هذه الاستراتيجية" 6. وهنا يجب القول إننا من أضعف الدول في البحث العلمي وقلة مراكز البحث المستقلة والحكومية والاعتماد على الأبحاث ومن ثم الخبراء من الدول الأخرى، وهذا يُوجب أن يتبع وزارة الصحة وغيرها (القطاع الخاص والجامعات) مراكز بحثية واستقصائية علمية مع مختبرات وطنية مرجعية ( للفحوص النادرة والبحث العلمي، مستقلة في كل منطقة على حدة مربوطة بمركز رئيس في العاصمة الرياض. وأن يُربط تمويلها بما تنتجه من أبحاث علمية ذات قيمة ملموسة (ومحكمة دوليا: نشر دولي ومحلي) يمكن تحويل ما تصل إليه إلى منتجات صحية اقتصادية أو تؤدي إلى تغيير أو تطوير ممارسات أو سياسات ذات علاقة بالرعاية الصحية والوقاية من الأمراض أو اكتشاف أدوية أو طرق علاج جديدة.
وبالنسبة للسجل الوطني لجميع الأمراض فهو ضرورة ملحة لأسباب عدة، أهمها توزيع الموارد المالية والبشرية والتعليمية الصحية بطريقة عادلة على جميع المناطق، إلى أصغر هجرة أو مكان يوجد فيه إنسان. ثانيها، يكون مرجعا بحثيا للعلماء وصناع القرار والقيادة العليا. ثالثها، التقليل من تكرار وسوء استخدام منافذ الخدمات الصحية، وهذا يوجب استعمال رقم تعريف ثابت لكل فرد مثل رقم الهوية الوطنية والإقامة للحصول على الخدمة. وهذا يوجب وجود نظام صحي إلكتروني (ملف إلكتروني مع جميع ما يتبعه من خدمات) وطني شامل للقطاع العام والخاص، يعتمد على رقم التعريف الثابت (لمنع ازدواجية وسوء استخدام المورد الصحية) وبأسرع وقت ممكن والبدء من حيث انتهت الدول المتقدمة وعدم محاولة اختراع العجلة من جديد، ولنعلم أن حصيلته الاقتصادية والصحية عالية جدا.
أما بالنسبة لجملة "وكلها أدوار شابها بعض القصور سابقا"، وهذه عبارة جبر خواطر لمن كان ويجب عليه تفادي القصور وتجنب التقصير، كما يجب الاعتراف بأنه لم يشبها بعض القصور وإنما هناك قصور وتقصير قوي جدا في التخطيط والبحث العلمي وتعزيز الصحة والتثقف الصحي والوقاية قبل العلاج والكشف المبكر عن الأمراض. ومن يرى ويسمع معاناة المرضى من التحويل والمواعيد وتأخر التشخيص والعلاج وسوء توزيع الموارد البشرية والمالية الصحية وقلة أو عدم الوعي الصحي الوقائي وندرة من يحصل على الكشف المبكر والوقائي وعدم الثقة بما يوجد في مناطقهم من خدمة ومقدمي خدمة وغيرها؛ لذا لزم أن تكون هناك شجاعة أدبية والاعتراف بالقصور والتقصير، وهي أول خطوة للإصلاح. .... يتبع
