الوكالات الشرعية.. حلم «تحقق»
من الأمور السارة ما أعلنته وزارة العدل في الأسبوع الماضي عن خدمة جديدة تقدمها للجمهور في إطار منجزات القسم التقني لمشروع خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز لتطوير مرفق القضاء. إذ أصبح بالإمكان اليوم لأي جهة كانت عامة أو خاصة، أو فرد، من خلال الإنترنت، التحقق من صحة الوكالة الشرعية ونوعها، وكل ما يتعلق بها من معلومات وسريان مفعولها. تلك الآلية الجديدة من التعامل مع الوكالات من شأنها التيسير على الناس وتخفيف معاناتهم، وهو إنجاز يحمد للوزارة. ليس ذلك فحسب، بل إن توظيف التقنية في التأكد من سلامة الوكالة فيه حماية للمال والممتلكات كما أنه يختصر الوقت اللازم لإنجاز المعاملات ويرفع مستوى الثقة في الإجراءات ما ينعكس إيجابا في محصلته النهائية على الحركة الاقتصادية وإنتاجية المجتمع.
لم أكتف بمطالعة ذلك الإعلان، بل حرصت على أن أخوض بنفسي تجربة الدخول في الموقع الإلكتروني للوزارة لتقويم جودة الخدمة. إذ بحثت عن وكالة تخصني صدرت من كتابة العدل الثانية بجنوب جدة في مطلع هذا العام. وفي الحقيقة أن ما اكتشفته فاق توقعاتي، فلم يستغرق الأمر سوى خطوتين لأجد في ثوان معدودة تلك الوكالة بتمام نصها على شاشة جهاز الحاسب مع تنويه بالخط الأخضر أنها ما زالت سارية المفعول. ما لفت انتباهي أيضا في الموقع الإلكتروني لبرنامج ''تحقق''، إلى جانب اليسر والسلاسة في الاستخدام، العمق التاريخي لقاعدة المعلومات، إذ إنها تمتد لأكثر من (82) عاما، أي أنها تشمل وكالات صدرت منذ عام 1350هـ فما بعد.
لقد سبق أن تناولت في مقال نشرته ''الاقتصادية'' في 5/3/1432هـ بعض أوجه للمعاناة، غير المبررة في رأينا، التي يواجهها المواطن فيما يخص الوكالات الشرعية، والجهود التي تبذلها وزارة العدل في التيسير على الناس (رجالا ونساء) في الحصول عليها. من بين تلك الجهود أن وضعت الوزارة نماذج موحدة للوكالات تم حفظها على أجهزة الحاسوب، بحيث لا يستغرق إصدار الوكالة سوى دقائق معدودة بما في ذلك تسجيل بيانات الموكل والوكيل. ومن المزايا الأخرى لذلك التنظيم وضوح نصوص الوكالات ودقتها مقارنة بما كان عليه العمل في الماضي من حروف متداخلة وشطب وتعديل عندما كانت تكتب يدويا. كما أن الحفظ الآلي للوكالات جعل الرجوع إلى سجلاتها مهمة سهلة وآمنة، وها نحن اليوم نجني ثمار تلك الخطوات التي جعلت من برنامج ''تحقق'' أمراً ممكناً.
لكن تبقى قضية مدة سريان الوكالة مصدر معاناة للناس، إذ على الرغم من أن وزارة العدل، تسهيلا على الناس، جعلت مفعول الوكالة ساريا ما لم تحدد مدتها أو تفسخ من أحد الطرفين أو يموت أحدهما أو ينتهي العمل الموكل فيها، ترمي كثير من الجهات الحكومية والمصارف وغيرها بتلك الميزة أو المرونة جانبا، وتصر على عدم قبول الوكالة بعد انقضاء عام، وفي بعض الأحيان خمسة أعوام كحد أقصى، على صدورها. وكنت قد كتبت أكثر من مرة عن تلك المعاناة أدعو فيها إلى معالجة المشكلة بإلزام الجميع عدم اشتراط مدة معينة لصلاحية الوكالة المقبولة طالما أن مفعولها ما زال ساريا.
اليوم أجدها فرصة مناسبة كي أعود للتذكير بتلك القضية وأقول إن التيسير على الناس لا شك أنه من أهم أهداف مشروع خادم الحرمين الشريفين لتطوير مرفق القضاء، وذلك يتطلب بالضرورة أن يلمس الجميع بشكل مباشر، عند متابعة معاملاتهم والركض وراء مصالحهم، مزايا ما يتم إنجازه من خطوات ضمن ذلك المشروع. وإذ أصبح الآن برنامج ''تحقق'' واقعا مشاهدا في متناول الملأ يمكن من خلاله لأي كان التحقق من سلامة الوكالة وسريان مفعولها، بات لزاما حمل جميع الجهات الحكومية والخاصة على الاستعانة بقاعدة المعلومات التي يوفرها ذلك البرنامج عن الوكالة وعدم مطالبة أصحابها بتجديدها متى ما كانت صلاحيتها قائمة وفقا للبرنامج.
وفي هذا السياق قد ترى وزارة العدل، بعد اكتمال تغطية البرنامج لكافة كتابات العدل في المملكة، أن الوقت بات ملائما للطلب من مجلس الوزراء إصدار قرار يلزم كل من يطلب من المتعاملين معه إبراز وكالة شرعية أن يعتمد مدة صلاحية تلك الوكالة بناء على ما هو مثبت في الموقع الإلكتروني الرسمي للوزارة، مع إيقاع عقوبة مناسبة على من لا يلتزم بذلك.