الجهاز الحكومي ينتج (مشروع مواطن قلق!)
■ لماذا نضع المواطن إزاء مشكلات ومصاعب في الحياة كان الأولى ألا يواجهها ولا يسمع عنها ولا ينشغل بها؟
لماذا نوسع دائرة القلق ومعها دائرة التذمر الاجتماعي من أمور بسيطة في الحياة؟
تثور هذه الأسئلة كلما رأيت الناس، ومعها مؤسسات الدولة، منشغلة ومتوترة عندما ترتفع أسعار الحديد، الأسمنت، مواد البناء، أو تتذمر الناس لأنها لا تجد مقعدا في طائرة، أو سيارة أجرة في المطار!
هل تلاحظون.. كيف نغرق في مشكلات بسيطة رغم أن الآثار التي تترتب عليها قد تهدد استقرارنا ووحدتنا وتعطي الفرصة لمن يريد التحريض أو التشفي أو حتى: التخريب!
لماذا ينشغل الناس بالشعير.. والرز والسكر و(لحم الغنم)؟!
لماذا لا تدور الاهتمامات الحقيقية للناس حول الأمور الأساسية التي تقود إلى الترقي الاجتماعي والاقتصادي، مثل التعليم، البحث العلمي والتطوير، الصناعة، بناء منظومة القيم والأخلاق، تطوير الذات، بناء المجتمع المدني... وغيرها؟
أرى أن إثارة هذه الأسئلة مقبولة موضوعيا لأننا في مجتمع يمتلك كل المقومات والآليات التي تساعدنا على توجيه طاقات الناس الكبرى للإنتاج والبناء بحيث تصرفهم إلى الاهتمام بالأمور التي تنفعهم بشكل مباشر وتخفف على مؤسسات الدولة من الانشغال بالأمور الصغيرة على حساب الجوهريات.
في أوضاعنا الآن، لماذا ينشغل الناس بالحديد والأسمنت وأسعار مواد البناء والعمالة بحيث تجعلهم في مواجهة مع الدولة؟
تطور هذا الوضع السلبي لأننا جعلنا (المنزل) مصدر قلق وتوتر لدى المواطن ليستنزف جهده وماله ويوسع دائرة تذمره بعدما تحول كل مواطن ليكون: مقاولا ومطورا فرديا لوحدته السكنية، يمضي السنوات يطارد وراء الأرض، وإذا تملك الأرض أمضى السنوات يحفر ويدفن ويخاصم ويصالح حتى يسكن في بيته العامر! وإذا سكن اكتشف المشاكل والأخطاء ثم انخرط لسنوات في نزاعات ومشاحنات مع المقاولين والعمال، ومع هذا أعباء (الديون)، وكل هذه تستنزف من جهده وصحته وماله، وربما عقله! وهكذا يتحول إلى (مشروع مواطن قلق ومتذمر).
التطوير الفردي للوحدات السكنية كم أوجد لدينا من (مشروع مواطن قلق متذمر) في السنوات الماضية والقادمة؟
أليس أجدى لنا اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا أن يتم تطوير الوحدات السكنية بشكل جماعي ليكون انشغال المواطن فقط باختيار النماذج والأحجام التي تناسبه؟
مثال آخر.. في الاستقدام، لقد كانت الناس لسنوات طويلة تواجه المآسي في هذا القطاع وشملت المأساة العمالة، وحتى سمعة بلادنا تضررت من الفوضى في هذا القطاع، وكان المستفيد الأكبر مكاتب الوساطة لدينا وفي البلاد المصدرة للعمالة، وظل المواطن يعاني ويشتكي ويتذمر من هذه المشكلة، حتى اقتنعنا أخيرا بالحل الذي (كان مطروحا منذ خمسة عشر عاما)، وهو إنشاء شركات الاستقدام المتخصصة؛ وإذا صدق هذا المشروع ولم يتعثر، كغيره من المشاريع الحيوية، فإننا سوف نقضي على مصدر مهم للتذمر الاجتماعي، وسوف نحفظ حقوق الأطراف جميعا ونوجد حلولا حضارية لاحتياجاتنا.. والمجتمعات تستقر عندما تفكر في الحلول الحضارية التي تجمع بين الأخلاقي والاقتصادي.
ثمة أمثلة كثيرة لمصادر التذمر لدى الناس.. ومحاصرتها تحتاج إلى الهدوء والتفكير العميق ثم الصدق مع النفس، وسوف نجد أن أغلب المشاكل التي يعانيها الناس ليس مستحيلا حلها!
الجهاز الحكومي لن يقودنا لاكتشاف مصادر هذا التذمر، لأنه جزء من المشكلة!