خطر قلادة العنق على المجتمع
التلوث الأخلاقي والسلوكي أشد وأنكل من خطر التلوث والتجرثم البيئي والصحي؛ إذ إن الأول أثره في دين الفرد ودنياه وأخراه، أم الآخر فمحدود أثره في صحته وحياته، والمجتمع مطالب بالحفاظ على هويته وثوابته وعاداته التي قد تتعرض للاختراق والإفساد وفق السبل المشروعة شرعا وقانونا.
وكما أن الإسلام أتى لطمس ملامح الشرك، وإبطال شذرات البدع، وإنهاء الأعراف الفاسدة، والعادات الظالمة منذ مطلع شروق الدعوة، فكذلك مسلمو اليوم مطالبون بالمحافظة على ما سنه وحدده الشرع الحنيف من حماية الفرد المسلم من كل ما قد يكون سببا ومسلكا في انحدار وانحطاط القيم والأخلاق والسجايا الخيرة في أهله وأتباعه وأمته.
المملكة العربية السعودية دولة عربية إسلامية ذات سيادة تامة، دينها الإسلام تحكم بشرع الله تعالى ودستورها القرآن وسنة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - كما جاء في (المادة 1) من النظام الأساسي للحكم، وهي منفتحة على أقاليم العالم ودوله ومؤسساته فيما يخدم البلدان ويرتقي برفاهية الشعوب والأفراد؛ لهذا أصدرت قرارا ملكيا يقضي بإنشاء (هيئة عامة للاستثمار الأجنبي)؛ لتبادل المنافع التجارية والمكاسب الاقتصادية، وهو نعم القرار إن تم تقيده بعدد من الضوابط والتعليمات.
إن الوافد الأجنبي أو العربي، سواء كان مستثمرا أو زائرا، كما أن له حقوقا تفرضها قيم الإسلام السمح العادل والقوانين الدولية، فكذلك عليه حقوق وواجبات ينبغي تذكيره بها من أجل التقيد والالتزام الكامل والشامل بما حوته، كما جاء في (المادة 41) من النظام الأساسي للحكم، حيث جاء فيه: يلتزم المقيمون في المملكة العربية السعودية بأنظمتها، وعليهم مراعاة قيم المجتمع السعودي واحترام تقاليده ومشاعره) أهـ.
فقد فشت في الآونة الأخيرة ظاهرة (قلادة العنق) بين بعض المقيمين والزوار، وأصبح الأمر بالنسبة إلى البعض منهم كأنه حق له يخصه وحده، وهو في الحقيقة حق له إن كان في بلده أو بلد آخر يسمح بذلك وهي كثيرة، أما هنا فلا أرى أن له الصلاحية الاجتماعية التي تجيزه ذلك؛ لمبررات عدة، منها:
1- مخالفته لمنهج البلاد القائم على التوحيد الصافي والنقي.
2- معارضته للأعراف والتقاليد الأخلاقية للمواطن العربي الأصيل.
3- خطورته على جيل النشء من استمراء الظاهرة في الغد.
4- تحويل ملامح المظهر العام للشعب السعودي المسلم.
5- ما قد يؤدي إليه من تمادٍ وتهاون للتجاوز في أمور أخرى.
6- محاولته لتفتيت وتشتيت هوية وثوابت وتراث المملكة.
7- تجاوز الظاهرة، إلى أن أصبحت تشاهد في المساجد بين بعض المصلين العرب، وخاصة الشباب منهم.
وقد يكون هناك أبعاد ومخاطر ذات تأثير أكبر مما عرضت وتحدثت عنه، لكن هذا ما بان لي الآن وحتى اللحظة التي كتبت فيها المقال؛ لهذا سأعرض مجموعة من الأساليب المقترحة للحد من الظاهرة ومنع تفشيها:
1- التأكيد الضروري على السفارات والقنصليات كافة بأهمية احترام أعراف وتقاليد وقيم الشعب السعودي الإسلامية منها والأخلاقية، كما جاء في المادة (41) مما سبق.
2- قيام وسائل الإعلام المتنوعة بإبراز خطورة الظاهرة والتحذير من أثرها على الفرد والأسرة والمجتمع، من خلال استضافة العلماء والدعاة والمفكرين ورواد الثقافة، بالإضافة إلى الدور الكبير الواجب على الكتّاب.
3- تفعيل قنوات التوجيه والإرشاد من خلال خطب الجمعة، والكلمات التوجيهية في المدارس والجامعات ومحاضن التربية.
4- مشاركة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في توجيه المقيمين والأجانب بالسبل الحسنة التي غايتها تذكيرهم بخصوصية المجتمع وأعرافه، لا كونها محرمة شرعا فقط؛ من خلال الأعضاء الذين يتحدثون باللغة الإنجليزية؛ إذ إن ذلك من واجبها الذي أسست وأنشئت من أجله؛ كما جاء في النظام الأساسي للحكم ففي (المادة 23) تحمي الدولة عقيدة الإسلام وتطبق شريعته، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتقوم بواجب الدعوة إلى الله تعالى.
قبل أن أقفل مقالي أنهيه بعدد من الكلمات المهمة جدا، وهي: إنه كما يجب علينا في حال حدوث مصيبة أو فتنة حربية - لا سمح الله تعالى - الذود عن الوطن والأعراض بالأرواح والدماء وما نملكه من قوة وقدرة، ففي المقابل نحن مطالبون بالتصدي لكل خلق رزيل أو عادة دخيلة تمس عقيدة المسلم ومنهجه وعلاقته بربه عز وجل، كما جاء في أعلى هرم الضروريات الخمس (حفظ الدين).