التعليم الإلكتروني والتعليم عن بُعد

كنت مع أحد الأصدقاء فقال منكرا أو متعجبا: "لماذا تأخر تطبيق وتفعيل التعليم الإلكتروني في مجتمعنا إلى هذا الحد بينما بدأ قبل أكثر من 100 سنة في أوروبا وأمريكا؟".
الأمر ليس كذلك، فهناك خلط كبير عند كثير من الناس بين التعليم الإلكتروني والتعليم عن بُعد، فالعديد من الناس، بل حتى من المتخصصين ومتخذي القرار لا يجد حرجا في استخدام أي من المصطلحين مكان الآخر، وربما يعود الخلط بين التعليم عن بُعد والتعليم الإلكتروني إلى عدم فهم دور التقنية بشكل واضح في التعليم، أو إلى المبالغة في التوقعات من مستقبل استخدام التقنية في التعليم. رغم قدم استخدام "التعليم عن بُعد إلا أن التعليم الإلكتروني يعد ظاهرة حديثة، ارتبط باستخدام تقنية المعلومات من حواسب آلية ووسائط متعددة في التعليم.
وسنوضح الفرق بين التعليم عن بعد والتعليم الإلكتروني - إن شاء الله - إذ إن وضوح هذين المصطلحين ومعرفة الفرق بينهما ضروري للجهات التعليمية والتدريبية، وتطبيق أي من هذه الطرق ومعرفة مفاهيمها يضمن المصداقية والفاعلية بين الملقي والمتلقي، كما يعد أحد العوامل الجوهرية للوصول إلى المواصفات الكافية الملائمة وتقييم البدائل المتاحة، وكذلك اختيار الحلول المثلى والممارسة الفاعلة للنظام المختار.
التعليم عن بُعد من المصطلحات التي اشتهرت وبرزت أخيرا بشكل ملحوظ، ويلاحظ القارئ أنها تتكون من عبارتين (التعليم) و(عن بُعد). ويتم تطبيق التعليم عن بُعد بطرق منها الكتب والمذكرات المطبوعة - وهو الأشهر والأقدم - ومنها الأشرطة السمعية ومواد الفيديو المرئية، وأيضا عن طريق البث من خلال الإذاعة والبث التلفزيوني وكذلك استخدام الحاسب الآلي والإنترنت، والمعيار هنا "عن بُعد"؛ وهو التباعد الجغرافي والزماني.
ونشير هنا إلى أن التعليم عن بُعد مطبق ومعتمد في المملكة منذ زمن، وهو ما عُرِف بمصطلح "الانتساب".
الانتساب نظام تقليدي معمول به في مؤسسات التعليم الأساسي وكذلك التعليم العالي، واشتهر تطبيقه في التخصصات النظرية لعدد من جامعات المملكة، حيث يقوم المنتسب بالدراسة الذاتية ويعتمد على نفسه في الدراسة ويحضر في آخر العام لأداء الاختبار.
وبدأ نظام الانتساب أو "التعليم عن بُعد" منذ أكثر من 150 عاما، فالباحث الإنجليزي إسحاق بتمان، الذي يعد من رواد التعليم عن بُعد، قام بتدريس الاختزال بالمراسلة في منطقة بيرث عام 1840 في المملكة المتحدة، وكذلك بدأت الجامعة الأمريكية التعليم عن بُعد عام 1874 وأصبح التعليم بالمراسلة عام 1900 في كل من التعليم المهني والأكاديمي سائغا مألوفا وشائعا.
ومع تطور التعليم عن بُعد ظهرت مشكلات لم تكن معروفة في التعليم التقليدي وكان معظمها يتعلق بالجودة والمصداقية وأخلاقيات التعليم. ولهذا الغرض تم تأسيس المجلس الوطني للتعليم المنزلي في عام 1926 لحل هذه المشكلات ومعالجتها.
وأخذ التعليم عن بُعد في عام 1920 أسلوبا جديدا عندما بدأ استخدام البث الإذاعي (الراديو) في التعليم عن بُعد. ثم بعد ذلك في عام 1940 استخدم البث التلفزيوني في التعليم عن بُعد؛ وكانت خطوة متطورة حيث استخدمت الصورة والصوت في التعليم. ثم بعد ذلك تطور التعليم عن بعد وأصبح أكثر تفاعلية Interactivity في بدايات 1900 الميلادية حين استخدم الهاتف في التعليم عن بُعد؛ عندئذ تمكن المعلمون من الوصول إلى شريحة جديدة وبعيدة من الطلاب. واستمر التعليم عن بُعد في التطور؛ فخلال الفترة من 1980 حتى 1990 نشأت أنظمة المؤتمرات عن بُعد Teleconferences؛ التي مكنت المعلم من التحدث إلى الطالب والاستماع إليه ورؤيته بشكل مباشر حتى مع التباعد الجغرافي بينهما.
ومع انتشار شبكات الحاسب الآلي في الفترة بين 1980 و1990 امتلك عدد كبير من الناس أجهزة حاسب آلي وربطوها من خلال خطوط الهاتف بشبكات حاسوبية، وكان أول طرح لمصطلح التعليم الإلكتروني كان عام 1999 في لوس أنجلوس بعد أن تغلغل استخدام تقنية المعلومات في التعليم.
أما التعليم الإلكتروني فنشأ منذ أن تعاضدت تقنيات المعلومات والاتصالات مع التعليم، ويتكون المصطلح من كلمتي (تعليم) و(إلكتروني) ولا يشترط هنا أن يقوم الحاسب الآلي بالدور الوحيد المنفرد أو الرئيس في العملية التعليمية.
استخدِمَ التعليم الإلكتروني في المراحل الدراسية كافة، من مراحل الروضة حتى الدكتوراه، إذ يوفر بيئة جذابة وماتعة وتلبي احتياجات عدة وتتفق مع مختلف الأذواق، فالمتعلمون الصغار يستمتعون بالوسائط المتعددة (الملتيميديا) والألعاب والأنشطة المرحة أثناء التعلم، والأكبر سنا - كذلك - يستخدمون التقنية للوصول إلى مصادر لا حصر لها لأداء واجباتهم والتحضير لامتحاناتهم وزيادة معارفهم.
وهذا النوع من التعليم له إيجابياته وسلبياته؛ فمن إيجابياته:
- يمكن للأنشطة التدريسية أن تكون أكثر احترافية.
- يقلل وقت وتكاليف التنقل إلى مقر الدراسة.
- يستطيع الدارسون اختيار المواد التعليمية التي تناسب مستوياتهم واهتماماتهم وأنماطهم.
- يستطيع الدارسون التعلم في أي مكان مزود بحاسوب وإنترنت.
- يستطيع الدارسون التعلم كل حسب قدرته وجهده.
- المرونة في المشاركة في النقاش عن بُعد وفي الوقت المناسب سواء كان مع الزملاء الدارسين أو مع المدرب أو المعلم.
- التعامل مع مختلف أنماط التعلم من خلال أنشطة الدرس المختلفة.
- تنمية مهارات التعامل مع الحاسب الآلي والإنترنت وهي وحدها مهارات حيوية مهمة.
- عندما ينهي الدارس الدورة أو المقرر الإلكتروني بنجاح فإن ذلك لا ينمي المعرفة فحسب، بل يزيد من مكتسبات عدة أخرى ضرورية للمتعلم مثل زيادة الثقة بالنفس والحماس لدراسة المزيد والشعور بالنجاح، وأهم من هذا كله تحمل المسؤولية والاعتماد على النفس.
وللتعليم الإلكتروني سلبيات أيضا، منها:
- ربما يتأخر الدارسون ذوو الدافعية والحماس المنخفضَيِن عن أقرانهم.
- ربما تتطلب وقتا بسبب عدم الدراية بطريقة الدراسة.
- ربما يشعر الدارسون بالعزلة، وبالتالي فقدان التعايش الاجتماعي.
- ربما لا يوجد المعلم بشكل دائم عند الحاجة.
- وجود عوامل تقنية قد تعوق العملية الدراسية مثل بطء أو تعطل الإنترنت أو حتى عطل في جهاز الحاسب.
- قد تحتاج البرامج المستخدمة لتسهيل التعلم نفسها إلى تعلم.
- صعوبة التمثيل الإلكتروني لجميع أنواع النشاطات الدراسية.
ومن الباحثين مثل (بيت، جاريسون، نيبر، بيترز) من ينظر إلى التعليم الإلكتروني على أنه امتداد طبيعي للتعليم عن بُعد.
ويقسم نيبير التعليم إلى ثلاثة أقسام: الدراسة بالمراسلة، استخدام الملتيميديا والبرمجيات، ثم استخدام الحاسب الآلي المرتبط بالشبكة بشكل تفاعلي.
ينظر عدد من الباحثين إلى المصطلحين كمرادفين يحل أحدهما محل الآخر. ويرى بعض الباحثين أن التقنيات الحديثة تتحدى الحضور الحقيقي للحرم الجامعي؛ فعلى سبيل المثال يرى الباحث آرنولد أن التعلم باستخدام نظم المعلومات سيحل محل الدراسة الحضورية "وجها لوجه". ويقول الباحث هينك فانديمولن في "كتابه الجامعة الافتراضية في الجامعات الأوروبية": "لن يكون هناك خيار أمام الجامعات سوى استخدام تقنيات المعلومات والاتصالات ليس فقط في المجال البحثي لكن في الإداري والتعليمي أيضا".
أثر استخدام التقنية بشكل ملحوظ في توجه الجامعات، ليس على مستوى المملكة فحسب، بل على مستوى العالم، وهذا التأثير مستمر، على كل المجالات والممارسات الجامعية؛ مثل: الأبحاث، والتعليم والتعلم، والتنظيم والشؤون المالية. بل حتى القوانين والتشريعات التنظيمية الحكومية تتأثر كذلك بشكل واضح باستخدام التقنية الحديثة.
ربما يتفق معي الكثيرون على أن الحضور إلى الجامعة؛ الدراسة وجها لوجه، هو الأمثل، لكن ننظر إلى هذين النظامين كحلين للتغلب على المسافات وعلى أعداد الطلبة الكبيرة التي لا تستوعبها القاعات الدراسية.
لا شك أن التقنيات الحديثة وفرت إمكانات وأتاحت المجال أمام التطوير ورفعت مستوى الجودة في التعلم وطريقة عرض المعلومة، سواء كان ذلك عن بُعد أو في الحرم الجامعي.
سيسهم التعليم الإلكتروني - بمشيئة الله - في جعل التعليم التقليدي والتعليم عن بُعد أكثر فاعلية وأسهل وصولا وأيسر على المتعلمين. ووجود تقنية المعلومات في القاعات الدراسية سيثريها ويساعد المدرس والمدرب على الإنجاز بشكل أفضل وأسرع.
وختاما أخي القارئ لك أن تفكر في تطبيق التعليم الإلكتروني والتعليم عن بُعد ليس في مؤسسات التعليم فحسب، بل في الشركات التجارية وفي الإدارات الحكومية، ستتاح فرص التعلم وسيرتقي المجتمع وسينمو الاقتصاد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي