Author

حول صندوق النقد الدولي والاقتصاد السعودي

|
يمكن تفهم ما ذكره صندوق النقد الدولي حديثا حول أداء الاقتصاد السعودي للعام 2011 بالنسبة لما يخص نمو الناتج المحلي الإجمالي من جهة ومعضلة التضخم من جهة أخرى. العامل المشترك لهذين التطورين هو تأثير تنامي النفقات العامة على الاقتصاد الكلي. وكان الصندوق قد أصدر في الآونة حول العديد من الظواهر الاقتصادية في إطار التقييم السنوي لحالة الاقتصاد الكلي للمملكة. نمو لافت في التفاصيل، كشف صندوق النقد الدولي عن توقعه بتسجيل الناتج المحلي الإجمالي السعودي نموا قدره 6.5 في المائة في 2011 مقارنة مع 4.1 في المائة في 2010، فضلا عن 0.1 في المائة في 2009. الأرقام المشار إليها فعلية، أي معدلة لمتغير التضخم ما يؤكد نجاح الاقتصاد السعودي في التكيف مع التداعيات السلبية للأزمات العالمية المختلفة من قبيل رفع سقف المديونية العامة في الولايات المتحدة، فضلا عن معضلة المديونية في اليونان وقبل ذلك الأزمة المالية العالمية. وعلى الرغم من الأزمات وربما بسببها بشكل جزئي، فقد ظلت أسعار النفط مرتفعة نسبيا. يعد سعر النفط متغيرا مهما في حيوية الاقتصاد السعودي؛ نظرا للمساهمة الكبيرة لدخل القطاع النفطي في إيرادات الخزانة العامة. يكفي التأكيد بتربع السعودية على عرش أكبر مصدري النفط الخام في العالم بلا منازع. يتوقع على نطاق واسع بأن يبقى متوسط سعر النفط فوق حاجز 100 دولار للبرميل في عام 2011. في المقابل، ربما يحتاج الاقتصاد السعودي إلى متوسط سعر 74 دولارا للبرميل للوصول لنقطة تعادل النفقات والإيرادات في أسوا الحالات. صحيح لم تعلن السلطات الرقم الذي تم افتراضه للميزانية العامة للعام 2011، لكن بكل تأكيد يتوقع متدنيا نسبيا بالنظر للسياسية المالية المحافظة للسعودية. شبح التضخم من جهة أخرى، يجب أخذ التحذير الصادر من صندوق النقد الدولي فيما يخص معضلة التضخم محل الجد. حقيقة القول، يتوقع الصندوق بأن يتراوح معدل التضخم في حدود 6 في المائة في 2011، وهي نسبة مرتفعة بكل تأكيد. بل تعد هذه النسبة المرتفعة من الحالات الاستثنائية للاقتصاد السعودي حتى مقارنة مع فترة 2007 والنصف الأول من 2008 عندما جربت اقتصاديات دول مجلس التعاون الخليجي معدلات تضخم تاريخية. وقد تميزت الفترة بارتفاع أسعار النفط لمستويات تاريخية بلغت حد 147 دولارا للبرميل في تموز (يوليو) من عام 2008، الأمر الذي أفسح المجال أمام تعزيز النفقات العامة وبالتالي التسبب بضغوط تضخمية في دول جميع مجلس التعاون الخليجي بطريقة أو أخرى. يعد التضخم، أي ارتفاع الأسعار وبقائها مرتفعة لفترة زمنية، أكبر عدو لأي اقتصاد؛ لأنه ينال من القدرة الشرائية للمستهلكين. بل يعد التضخم أكثر سوأ من البطالة والتي تنحصر تداعياتها السلبية بالعاطلين والمرتبطين معهم مثل الجهات الدائنة. يعود جانب من معضلة ارتفاع الأسعار لظاهرة التضخم المستورد في هذه الحالة، للقرار السيادي للمملكة بربط الريال السعودي بالدولار الأمريكي. صحيح هناك فوائد لعملية الربط، منها منح الثقة للمستثمرين، لكن لا يمكن تجاهل التداعيات السلبية لمثل هذا التوجه. فمن شأن انخفاض سعر الدولار في الأسواق العالمية رفع قيم بعض السلع والمنتجات. المستوردة والمسعرة بعملات أخرى مثل اليورو والين. تعزيز النفقات أما المصدر الآخر والأهم في هذه الفترة لمعضلة التضخم فيعود للتداعيات المرتبطة بزيادة النفقات العامة وتأثيراتها على توجهات القطاع الخاص والمستهلكين بشكل عام وبالتالي النمو الاقتصادي. والإشارة هنا إلى توجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بتخصيص 130 مليار دولار للصرف على العديد من البرامج الاجتماعية من بناء مساكن جديدة، فضلا عن منح علاوات وتسهيلات متنوعة للمواطنين بغية تحسين رفاهية الشعب السعودي. صحيح لا يختص هذا المبلغ بالعام 2011، لكن تمثل السنة الجارية انطلاق برنامج النفقات. يضاف هذا المبلغ للنفقات المقدرة للسنة المالية 2011 وقدرها 155 مليار دولار. لا شك هناك الكثير من الإيجابيات المرتبطة بمسألة تعزيز النفقات مثل تشجيع مستثمري القطاع الخاص لاتخاذ خطوات في ظل توجه القطاع العام بضخ أموال ضخمة في الاقتصاد الوطني. ومن شأن زيادة النفقات المساهمة في معالجة معضلة البطالة والتي تبلغ نحو 10 في المائة عبر إيجاد فرص عمل جديدة. مؤكد، سيتم رفع حجم الأموال المرصودة لخطة التنمية التاسعة والتي تغطي الفترة ما بين 2010 حتى 2014. وكانت السلطات قد خصصت مبلغا قدره 385 مليار دولار للخطة الخمسية الجديدة بزيادة قدرها 67 في المائة عن الخطة السابقة. ويلاحظ أن مجموع 155 مليار دولار و130 مليار دولار وبالتالي 285 مليار دولار يساوي نحو ثلاثة أرباع مخصصات خطة التنمية التاسعة. في العادة، يتسبب النمو الاقتصادي المرتفع نسبيا في رفع مستويات التضخم بسبب تعزيز الطلب. وعليه يكمن التحدي في تحقيق معادلة قادرة على تحقيق أفضل نسبة نمو للناتج المحلي الإجمالي، لكن ليس على حساب ارتفاع الأسعار؛ نظرا لأن التضخم هو العدو الأكبر لأي اقتصاد.
إنشرها