دعم المنشآت الصغيرة فلاشات فقط!

كل دول العالم تهتم بتنمية المنشآت الصغيرة والمتوسطة، وتمثل هذه المنشآت على مستوى العالم أكثر من 90 في المائة من هذه المؤسسات وهي التي تحرّك الاقتصاد، وتقدم الخدمات وتوفر ملايين فرص العمل على مختلف المستويات الوظيفية وبالتالي فتنميتها تعتبر هدفا استراتيجيا لكل دولة.
وفي السعودية ركزت خطة التنمية الثامنة وتركز خطة التنمية التاسعة على هدف رئيسي يتمثل في تنمية المنشآت الصغيرة والمتوسطة لما لها من الأهمية الكبيرة في تحريك عجلة الاقتصاد وتوفير فرص العمل لكثير من المواطنين وبذلك اعتمدت الدولة مليارات الريالات لهذا الهدف الاستراتيجي وأنشأت صناديق ومؤسسات عديدة تعمل على تنمية هذه المنشآت الصغيرة والمتوسطة مثل صندوق المئوية وبنك التسليف والادخار السعودي والصندوق الخيري الاجتماعي وبرنامج كفالة وغيرها من التنظيمات التشريعية التي تعمل على هذا الهدف، ورغم توجه الدولة ودعمها اللامحدود لهذا الجانب إلا أن النتائج غير متوافقة مع هذا الدعم السخي الذي تبذله الدولة.
وعند الدخول إلى المواقع الإلكترونية لهذه الصناديق والبنوك نجدها تخلو من التقارير التي توضح عملها وبالتالي يكتنفها الغموض في عدد القروض ونوع المشاريع وجغرافية هذه المشاريع.
فهذه الصناديق لها ارتباط بجانب البطالة سواء بشكل مباشر أو غير مباشر ونسبة الفقر أيضا ولأن التنمية عملية تكاملية بين الجهات، ومن المفترض ألا تعمل الجهات الخدمية والتنموية بمعزل عن بعضها البعض، فهذا يؤثر في ذاك.
والقارئ مدرك وواع لثقافة مجتمعه وما يحيط به من متغيرات وبالتالي نحتاج إلى الشفافية في الطرح، ونحن نقدر الأرقام ونحللها ونجمعها ونطرحها ونخرج بنتائج وإن لم تكن نتائج المسؤول متقاربة مع نتائجنا ننتقدها ونعتبرها إهانة لعقلياتنا، نحن (19) مليون مواطن، لسنا كالصين والهند إذا فالحسبة لدينا سهلة لا تحتاج إلى فيلسوف، فمثلا يتم استنتاج أعداد البطالة وأعداد الموظفين في القطاعين الحكومي والخاص والمستفيدين من خدمات الشؤون الاجتماعية، وبالتالي يتم التقدير على هذا الأساس فهناك أشخاص مهمتهم تحليل مثل هذه المعطيات وقسمتها وجمعها وطرحها وبالتالي الخروج بنتائج واقعية حتى ولو لم يصرح بها هذا المسؤول أو ذاك.
المجتمع اليوم واع في قراءة هذه المعطيات، إذا نحتاج إلى المصداقية والشفافية في الطرح، لا نعتد بالمسؤول الذي يدافع عن الجهة التي يعمل فيها بغض النظر عن صحة دفاعه أو عدمه، نحتاج إلى المسؤول الشجاع الذي يعترف بالخطأ - إن وجد ويعالجه - فمن يعمل يخطئ، المسؤول الواضح في طرحه وفق ما يتوافق مع المنطق السليم الذي يتماشى مع الواقع الفعلي.
لا يوجد مبرر لخلو هذه المواقع من جغرافية هذه المشاريع في ظل تدنيها مقارنة بما يقدم لها من دعم حكومي.
ويرجع هذا من وجهة نظري إلى الإدارة التنفيذية التي تعمل وفق منهج النظام النصي وتفريغه من هدفه بمعنى أنها تعمل في نظام ولوائح تنفيذية مفرغة من الهدف، وبذلك تعرقل بعض الأهداف والدليل على ذلك قلة النتائج التي حققتها هذه الصناديق والبنوك الاجتماعية على مدى عدة سنوات.
فقد اطلعت على موقع وأنظمة صندوق المئوية وكذلك بعض الذين لهم تجارب مع هذا الصندوق من بعض الشباب الطموح، واتضح أن هناك عقبات، منها أن أغلب الدعم يذهب إلى مصروفات إدارية لصالح الصندوق نفسه فقد تصل هذه المصروفات أو الرسوم الإدارية إلى ما يقارب 30 في المائة من مبلغ هذا الدعم غير الشروط غير المنطقية والإجراءات البيروقراطية المعقدة والتي تفرغ الهدف من إنشاء هذا الصندوق.
فالدولة أنشأت مثل هذه الصناديق ليس لهدف الربح المادي إنما أنشأته لدعم ومساعدة هذه المنشآت الصغيرة لدعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وكذلك بنك التسليف الذي يعمل على تمويل المنشآت الصغيرة وكذلك من بعض الشروط التي تتعلق بمدة الرخصة والسن والجنس مثلا ولابد من تاريخ محدد للرخصة، فإن تجاوزت الرخصة شهرا أو شهرين فلا تحلم بالدعم ومثل هذه الشروط التي تكون في الغالب على تناقض مع الهدف التنموي الذي أنشئت من أجله هذه الصناديق والبنوك الاجتماعية.
فالحاجة ملحة إلى تغيير سياسة هذه الصناديق وأنظمتها في المستقبل حتى تتناسب مع المرحلة الزمنية الحالية ومن خلال ذلك تتلخص مشكلات الصناديق بما يلي.
أولاً: إجراءات عقيمة وبيروقراطية عطلت الاستفادة من هدف الدولة بسبب قيادات لم تدرك حجم المشكلات الاجتماعية التي تترتب على تأجيل وتعطيل مثل هذه الأهداف وتكلفة معالجتها على الدولة.
ثانياً: بسبب هذه الإجراءات العقيمة كانت النتائج غير متوافقة مع الدعم الذي قدمته الدولة - أيدها الله - لهذا الهدف وهذا خلل في التنفيذ.
ثالثا: لا تنظر إلى هذه المشاريع من منظور تنموي اقتصادي واجتماعي يؤدي إلى تقليل تكاليف المشكلات الاجتماعية على الدولة ويعمل على زيادة بعض طبقات المجتمع ويسهل حراك هذه الطبقات إلى الأفضل.
رابعاً: التقليل من أهمية وقدرة المواطن السعودي في إدارة وتنمية هذه المشاريع التي وفرت الدولة لها هذا الدعم المادي مع هذه العراقيل التي توضع أمام الشباب كان من الأولى أن تكون معينا لهم بتوفير جميع أنواع الدعم لشق طريقهم في الحياة.
خامساً: تعمل هذه الصناديق من منظور ربحي فقط وكأنها بنوك تجارية وليست صناديقا اجتماعية دعمتها الدولة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والدليل على ذلك الرسوم التي تتقاضاها ممن يحالفه الحظ في هذه الصناديق فبدلا من أن تقدم لهم هذه الخدمات في مقابل مادي معقول فهي تقدمها في أجور مبالغ فيها جدا وكذلك، لم تقدم لهم مساعدات معنوية وتوجيهية لهم.
سادسا: ليس لدى هذه الصناديق ثقة بهذه المشاريع وأصحابها ويتم التعامل معهم على أساس المتهم الفاشل مسبقا لا على أساس النمو التدريجي وفق تقديم التوجيه المناسب لما يخدم مصلحة صاحب المشروع وبذلك يمكن القول إن هذه الصناديق تفتقد الجدية في هذا الجانب، وبذلك يمكن القول إنها تعمل على إعاقة وتعطيل هذا الهدف التنموي الذي دعمته الدولة بمليارات الريالات.
سابعاً: كثير من التعارض والتضاد في ظل وضوح الهدف الاستراتيجي لتنمية المنشآت الصغيرة ويمكن القول إننا في أزمة تنفيذية لتنفيذ بعض الأهداف التنموية وبعيد عن العمل التكاملي.
وخلاصة القول إن الدولة -أيدها الله- قدمت الكثير من الدعم المادي في هذا الجانب سواء كان دهما مباشرا أو غير مباشر، ولكن النتائج قليلة، ولم ترتق إلى مستوى الطموح.
كلام كثير وتصريحات أكثر وفلاشات متعددة ونتائج قليلة فأين يكمن الخلل؟!

هذا والله من وراء القصد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي