عيد الرياض الآن
لا أحد ينسى كيف كان العيد قبل نحو 15 عاماً في الرياض ونواحيها، إذ كانت الأفراح مقتصرة على مواقع محددة، يهفو إليها الأطفال وأسرهم كالحدائق والملاهي والمتنزهات المغلقة، التي قلما انتفعت بها بقية فئات المجتمع كالشباب ومن في حكمهم، وكانت الأنظار تترقب مساء العيد لتنتقل الأقدام إلى ساحة قصر الحكم لتسمع الأهازيج المتعلقة بالعرضة السعودية، وتشاهد العروض المختصرة، ومن ثم تستمتع بالعشاء الدسم الذي تعده هيئة تطوير مدينة الرياض، الذي يحوي صحونا كبيرة مملوءة بلحم الحاشي والغنم.
وما نراه اليوم يعد نقلة كبيرة وسريعة ومنظمة لم يشابهها ويحاكيها في منطقة العالم الإسلامي سوى القليل، وخاصة إذا تذكرنا خصوصية البلد وأعرافه وطبيعة ما يجب أن يكون عليه أثناء التطوير والتغيير من ضرورة تخصيص المواقع وعدم دمجها وبقاء الجنسين كلاً على حدة، ليس انحيازاً، إنما الواقع الذي يشهد لها بذلك، فالمواقع الاحتفالية باتت منوعة ومنتشرة ومنظمة، حيث بلغ عددها هذا العام، ما يقارب 180 فعالية ونشاطا ترفيهيا موزعة على نحو 40 موقعاً، فهل يعد هذا الرقم يسيرا وهينا مقارنة بالماضي، حيث لم تكن هناك سوى واحدة أو اثنتين؟ إذ تراها شمالي الرياض وجنوبيه وغربيه وشرقيه بتكافؤ وتناسب وتناغم، فالألعاب النارية لم تعد مخصصة في ناحية دون أخرى أو حي دون آخر، بل أصبحت مفرقة وموزعة ليلتذ الجميع بالعيد وجماله وفرحته وبهجته وسروره، الفقرات والبرامج اشتملت على إمتاع وإرضاء وإبهاج الكل شباباً وشيباً وأطفالاً ونساءً كلاً بحسبه.
الجاليات الإسلامية والعربية لها فرحتها ومتعتها هنا في أرض الرياض الحانية، فلم تُنسَ وتُهمل وتُغفل، فملعب الأمير فيصل بن فهد - رحمه الله تعالى - يضم كل عام أمسيات وألعابا وبرامج معدة ومجدولة ومنظمة وممتعة، وعروضا وعرضات تخص كل جالية مقيمة على أرض الوطن، بل أصبحوا يألفون ذلك المكان والزمان ويتوافدون إليه عصر كل عيد استعداداً للأهازيج والعروض واستعراضاً لتقاليد وعادات بلدانهم، وليس الأمر يقف عند هذا الحد الإنساني بل يتبعه بعد وجانب أمني مهم، إذ تقضي على وقت فراغ هذا المقيم خلال فترة راحته؛ لهذا كانت المبادرة تعد من روائع ما قدمته إمارة منطقة الرياض وملحقاتها كالأمانة والهيئة العليا لتطوير الرياض.
غالب هذه المراكز والمواقع الترفيهية والساحات الاستعراضية، تلج إليها العائلات بطاقم أفرادها بشكل عفوي، وبمبالغ رمزية - إن وجد - مع ما يقابل ذاك من بقاء لفترات طويلة وقل لحد الساعات، وهذا ما يندر أن نراه ونلتذ به خارج المملكة، إذ لا ترفيه هناك إلا بنقود.
الجهود المبذولة لتطوير احتفالات الرياض باتت وأضحت مشاهدة للعيان، إذ إن التوافد المكرر من قرى ومحافظات ومدن المملكة كل عيد ومناسبة للرياض أصبح مألوفا، أضف إلى ذلك أن الفقرات والبرامج اشتملت على فئة المراهقين والشباب وذلك بتخصيص بطولات ومسابقات للراغبين في لعبة البلاي ستيشن وحددت لها جوائز ثمينة تتناسب مع مقدار اللعبة تحفز الشباب للالتحاق بها، وهذا بالطبع سيحفظ وقتهم ويحميهم من تسلط وهجوم الأفكار الخطيرة عليهم أثناء ليالي العيد وفتراته، إذ لم نعد أو لنقل قلَّ سماعنا لعبارة الشباب ليس لديهم مكان يذهبون إليه فالخيارات الآن متنوعة، ومنها السماح للمراكز الترفيهية الخاصة والمطاعم ومحال الكوفي شوب بفتح أبوابها طوال ليالي العيد لتقديم الخدمة لروادها.
إن الرياض التي نشاهدها اليوم هي ثمرة ونتيجة لجهد الأمس، وحين يذكر الرياض لا بد من ذكر وإبراز دور بانيها ورمزها وأميرها الأمير سلمان بن عبد العزيز - حفظه الله - الذي استطاع بتوفيق الله أولاً ثم بصفاء تفكيره وعزيمته وقوة إرادته أن يقفز بها من حي واسع محدود الأطر إلى مدينة عادية ثم أخيراً إلى عاصمة كبرى ضخمة مهمة، فقد عاصر نهضتها ومراحل تطورها ونموها ورعى مناسبات التنمية بها، وأشرف على وضع لبنات التأسيس لمشاريعها، ليصنع لنا منطقة عمرانية هندسية تجمع الآثار القديمة والعمران الحديث على أرض مدينة واحدة.
الأمير سلمان والرياض قصة لها تاريخ، بدأت ونشأت وتطورت عبر حقب زمنية متباينة ومختلفة، قصة لم تكن حلماً، بل ماض وحاضر ومستقبل، انطلقت من فكره وعقله في مرحلة الشباب ثم تألقت ونمت بعد ذلك لتصبح الآن كما رآها ورسم لها، افتتح أول حديقة ومتنزه ليعلن عملاً لا قولاً وتنفيذا لا قراراً، أن لكل حي حديقة تقع في وسطه ليهنأ أهل وسكان الحي بها. حبه للرياض وإخلاصه لترابها وأهلها قاده ليسهم ويؤسس هيئة عليا لتطويرها ونقلها وفق رؤى وخطط ونماذج ودراسات جغرافية متخصصة تتناسب مع طبيعتها، ليراها في أحلى المناظر، وليرقى بها لقمة العواصم والمدن، فنتج عن ذلك مشروع وادي حنيفة الهائل، ثم مشروع تطوير وتأهيل طريق الملك عبد الله بن عبد العزيز، ثم شق الطرق المتنوعة الموزعة على نواحي الرياض لتخفيف وطأة الازدحام ومتاعبه، فتطوير مدينة الدرعية، وما في الغد سيكون أكثر وأكبر.
لم يكن أهالي الرياض الأمناء المخلصون، يجهلون الدور الكبير والمتراكم والمهم الذي أداه سموه طيلة فترة تسلمه مقاليد إمارة منطقة الرياض، لذا فحين بادروا بمقترح تكريمه كانوا على يقين باستحقاق الأمير سلمان بالحفاوة والتكريم لما يقدمه وقدمه طوال 50 عاماً من العطاء والبذل المتواصل المتدفق حيوية وإخلاصا وهمة وتفانيا، وهو مع ذلك يرى تحويلها إلى مشروع خيري نافع يخدم الوطن والمواطن، ليقدم صورة ونموذجا عمليا لهضم الذات وإنكارها في سبيل الوطن وأرضه وشعبه.