الرصاصة والجوال!
من الصور التي نقلتها وكالات الأنباء بعد سقوط طرابلس أمس، صورة شاب ليبي ثائر يرفع يديه فرحا، ويقبض في كف على (جوال) وفي الآخر (رصاصة) مدفع رشاش ..
الصورة لها دلالاتها الرمزية وهي تعكس طبيعة التحول الجديد الذي دخلته البشرية الآن .. وهو تحول ربما يكون مخيفا مدمرا، أو يكون مبشرا بالسلام والأمن والاستقرار، فنحن في حقبة تحول تاريخي تبدأ مع العقد الذي نحن فيه الآن، فالفترة التي تفصلنا عن عام 2020 فترة سوف تتقاطع فيها القوى المحركة للتاريخ في دورته الطبيعية مع المصالح للقوى الدولية والإقليمية الصاعدة أو الهابطة .. ففي السنوات العشر القادمة سوف نشهد فترة اضطراب متفاوت الاستقطاب ونرجو ألا تكون الأمور بيد الجهال والحمقى حتى لا تسود الفوضى.
الرصاصة والجوال يعنيان شيئين مهمين. الأول أن التواصل الاجتماعي والنفسي والفكري الذي ييسره تدفق المعلومات بين الناس هو الآن في طور نمو متصاعد، فأدوات التواصل الذكي (الجوالات) متاحة لكل الناس في المدن والقرى والأرياف.
في الجانب الآخر المصاحب لثورة الاتصال، هناك إمكانية الوصول إلى المال والسلاح، وهذان المصدران للقوة أصبحا متاحين ولا عوائق جمة أمام من يطلبهما من الناس. عبر التاريخ، الفترات التي يرتفع فيها سقف المطالبات الشعبية للعدالة الاجتماعية وتشهد حركة سريعة وواسعة للاحتجاج والاضطراب والعنف والتمرد هي الفترات التي يسهل فيها التواصل بين الناس ويتيسر فيها الوصول للسلاح والمال. وهذا ما يطبع العقد الذي نحن فيه الآن.
وموجة التطور التقني التي سهلت التواصل تلتقي مع موجة أخرى جديدة تجمعت بعد عقود من الصراع المرير، فالآن وبعد انتهاء قرن ودخول البشرية قرنا جديدا هناك جيل شاب جديد رابع دخلت عوامل جديدة ساهمت بقوة في صياغة شخصيته وبناء تصوره السياسي عن الدولة والمجتمع والعالم الذي يعيش فيه، وهذه العوامل مشاعة للأجيال جميعا في الكرة الأرضية، إلا أنها ستكون أكثر عمقا وتأثيرا لدى الجيل الشاب في المجتمعات النامية والمتخلفة في التنمية، فالبحث عن الكرامة الإنسانية والترقي الاقتصادي واستنهاض مقومات العدالة الاجتماعية كل هذه من القوى والعوامل التي تحرك التاريخ، وهذه أيضا ستكون من العوامل المؤثرة والمطروحة في إدارة الصراع، والحاضرة بقوة في هذا العقد من الزمن.
كيف سيتعامل العالم مع هذا التحول الكبير؟ كيف سيكون مدى ردات الفعل، ومدى تلاحقها؟ كيف ستكون استجابة النخب السياسية والفكرية والاجتماعية لهذه التحولات؟ هل الحكمة والبصيرة والابتعاد عن الذات والمصالح هي المرشدات والمحددات للسلوك؟ هذه الأسئلة الكبرى ستبقى معلقة والواقع الذي تفرزه هو الذي يحمل الإجابة، وبما أنها في علم الغيب، إلا أن طرحها ضروري حتى نقف على مشارف المستقبل، فالله - سبحانه وتعالى - يأمرنا بالتدبر وإعمال العقل استعدادا للتحديات والمفاجآت وتهيئة الأسباب لانتصار الخير ودرء مصادر الشر.
لكن: هل الحكمة وإعمال العقل وكبح جماح المنطقة المظلمة في النفس الإنسانية والتدبر في الأحداث ومراجعة الأحوال والاتعاظ بالعبر والدروس هي من الأمور اليسيرة والمتحققة للشعوب والدول؟ لو أن الناس تعرف معنى العبر والاعتبار، وتعرف تقدير العواقب وتستطيع الانتصار على النفس والهوى لما تتابعت البلوى وانفجرت الحروب والكوارث، ولما تتابع إرسال الأنبياء والرسل، ولما برز الدعاة والمصلحون والزعماء الذين يبنون ويعمرون الأرض!
لن تسود الحكمة والعدالة المطلقة ولن يتحقق السلام الدائم .. فالحروب قد تكون ضرورة لإحلال السلام والعدل مثلما هي مسار للتوسع والعدوان والظلم..
إننا في عقد من الزمن مضطرب ومفتوح الفضاء لكل الاحتمالات .. كيف سنتعامل معه؟ كيف نعظم المكاسب ونقلل الخسائر؟ سبحان من بيده مفاتح الغيب!