«العنود» .. مؤسسة خيرية منتجة
العمل الخيري بات في العصر الحاضر له أسسه واستراتيجياته القائمة على براعة التخطيط والدراسة وآلية التنظيم المرنة وأساليب الممارسة والتنفيذ، فلم يعد كما كان سابقاً مقتصرا على الوقوف أمام مداخل وأبواب الجوامع يحمله شاب في مقتبل العمل أو المراهقة يدعو الناس للتبرع ويحثهم على ذلك. وهو في حينه كان نافعاً وذا جدوى إلا أن الحال والزمن اختلفا. فالعمل الخيري أصبح اليوم برنامجا ورؤية يتجه نحو الصدقة الباقية المسماة في المصطلح الشرعي الصدقة الجارية ويراد بها المستمر نفعها للاثنين المتبرع والمستخدم لذلك التبرع. وهو ما تقوم به مؤسسة الأميرة العنود الخيرية، ولنا مع هذه المؤسسة الخيرية بالفعل، وقفات ومحطات تبين أبرز الأعمال التي استهدفتها في برامجها وأعمالها الخيرية:
طباعة المؤلفات
ليس هناك اختلاف بين أهل العلم والفتوى حول أن العلم الشرعي تعليمه وتعلمه والإعانة عليه - ومنها طباعة الكتب وإعادة تحقيقها - يعد من أجل وأفضل الأعمال الصالحة التي تستمر محصلة الأجر والثواب في خزانة صاحبها، ولهم في ذلك عدة أدلة أهمها: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث... إلى أن قال: أو علم ينتفع به"، فقوله علم ينتفع به يعود لأمرين: أحدهما العالم الذي أملى العلم وألقاه، والآخر للمنفق المعين على نشر العلم وطباعته وبقائه بين أيدى الناس. وهو ما انتهجته المؤسسة من خلال اصطفاء مجموعة من الكتب العلمية الزاخرة بالعلم الصافي الأصيل المتفق عليه من أهل العلم والتحقيق. ووضعها في معظم مساجد العاصمة - على حد ما أعلم. ومما أكمل العمل بهاء وجمالا هو ضمها في درج واحد. ففيها التفسير والتوحيد والحديث والفقه والأصول والنحو والمواعظ. وفي هذا نفع لا يعد ثوابه ولا يحصى. إذ إن الكتب أمام المأموم والقادم للصلاة والمنتظر لها دوماً، مما يسهل عليه التقاطها ومطالعتها، فهي ليست في موضع بعيد كالمكتبة، وأضف إلى ذلك أن المنتفع بها ليس مقتصراً على طلاب العلم ومحبيه، بل حتى على كبار السن والكهول، وهم من ألهتهم لقمة الخبز عن التفقه في دينهم وأمورهم الشرعية فيتصفحون منها ما يرفع جهلهم ويزيد من علمهم ومعرفتهم، خاصة أنهم أكثر من غيرهم مكثا في المساجد.
دعم الأسر المحتاجة
الإعانة المالية أحد أساليب العمل الخيري قديما وحديثا. وهذا ما تقوم به المؤسسة، غير أنها تحاول التركيز على من أعوزهم الفقر وأقعدهم المرض. وتاهت بهم الحيرة. ولست بصدد الإسهاب نحو سياق الأمثلة، إنما تكفي الإشارة للراغب في التعرف على ما قدمته المؤسسة وتقدمه، العودة إلى كتاب: "عاشت بعد أن ماتت"، لمؤلفه الدكتور يوسف عثمان الحزيم، الذي أكرمني مشكوراً بحزمة من الكتب والمؤلفات، من بينها هذا الكتاب الذي يضم بين دفتيه عددا من القصص التي وصل فيها الدعم إلى صرف مبلغ شهري وشراء منازل ومعالجة مرضى وسداد ديون.
مركز الأميرة العنود الحضاري
انطلاقة جديدة عبرتها هذه المؤسسة تعد سابقة في نوعها، وهو المركز الحضاري التابع للمؤسسة، ما إن تلقيت دعوة أستاذي الدكتور يوسف للحضور لمجالس العنود الرمضانية، إلا وطرأ لي أن هناك مفاجأة في الانتظار، لعلمي بصفاء ذهنه وإبداعه الفكري وبالفعل كان ذلك، فالمحاضرات متنوعة منها التاريخي والشرعي والتأصيلي المختصر، ولها أبعادها وغاياتها ومن ذلك: 1 - تخصيص هذا الشهر الفضيل بالذكر ومدارسة العلم. 2 - التذكير بأهمية وإعجاز أعظم وأصدق وأبقى الكتب (القرآن الكريم والسنة المطهرة). 3 - إحياء النفوس وإشعال نور الإيمان بها. 4 - تعميق وتجسيد أواصر المحبة والألفة بين السلك الدبلوماسي المقيم في المملكة والحضور.
صاحبة الوصية
كتبت الوصية الأميرة العنود بنت عبد العزيز بن مساعد وعمرها لم يتجاوز 27 عاما، وكتبها سماحة العلامة عبد العزيز بن باز - رحمهما الله تعالى - فلنتأمل فطنتها ورجاحة عقلها في أمرين: كتابة الوصية في هذا العمر، والآخر اختيارها هذا العالم الجليل المجمع على قبوله ومحبته من الأمة. وكما قال الدكتور يوسف في المؤلف المحال إليه سابقاً، الأمر يشير إلى أن هناك (وعيا مبكرا بمعنى الحياة وسر الخلق).
الأمين العام
ليس لدي أدنى شك في أن انتقاء وتعيين الدكتور يوسف الحزيم أميناً للمؤسسة يعد مغنماً ومكسباً كبيراً، فهو متعدد المواهب والقدرات تراه كاتباً اقتصادياً واجتماعياً وإدارياً، وفي جانب الإلقاء تراه متحدثاً قوياً منظماً، وفي جانب الإدارة والقيادة تراه متصفاً بسماتها وعلاماتها من التقدير والحماس والوضوح والانضباط والمسؤولية والبساطة والإبداع، وأشير إلى خصلة الحيوية والنشاط والهمة في شخصيته في هذه العجالة: كنت المسؤول عن استقبال المشاركين والمتحدثين في المنتدى الثاني للإدارة والأعمال الذي نظمته أخيرا مجموعة نما المعرفية، ففوجئت بأنه صعد على خشبة المنصة وأخذ بإعداد وتجهيز مادته من خلال جهاز الحاسوب والتأكد من عمل الطاقة الكهربائية قبل موعد الجلسة بزمن مبكر، وقال لي مازحاً "وش رأيك في هذا المتحدث اللي جاي قبل الحضور مش دليل على النشاط والحيوية"، قلت له: ما في شك.