نخوة عبد الله بن عبد العزيز

لم تكن قيادة المملكة غافلة عما يجري من قتل وتعذيب يومي تشهده معظم المدن السورية، فمن يقرأ ما صدر عن مجلس الوزراء في جلساته السابقة من "أسف وألم لما يواكب الأحداث في عدد من الدول العربية من قتل للأنفس وإراقة للدماء"، يدرك أن ما يجري في سورية لم يكن غائبا عن الذهن، ولا أمراً يمكن السكوت عنه، فالمملكة التي قامت بمسؤولياتها تجاه عديد من الأشقاء بكل قوة وصدق وبذل، وتحملت في سبيل ذلك الكثير من المعاناة، التي من أبسطها ما يُشن عليها من حرب إعلامية ظالمة، لا يمكن أن تغض الطرف عما يجري في المدن السورية من قتل وتعذيب طال الكبار والصغار.
لهذا فلم يكن مستغرباً أن يوجه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز كلمة للأشقاء في سورية، يؤكد فيها أن ما يحدث في سورية لا تقبل به المملكة، وأن الحدث أكبر من أن تبرره الأسباب، ويطالب بإيقاف آلة القتل وإراقة الدماء وتحكيم العقل قبل فوات الأوان، هذه الكلمة الصادقة العقلانية لا تحمل موقفاً من النظام السوري وشرعيته، إنما عبرت عن مدى الألم من تداعيات الأحداث التي تمر بها سورية الشقيقة، والأعداد الكبيرة من الشهداء الذين يسقطون كل يوم.
كلمة الملك عبد الله، واستدعاء السفير للتشاور حول الأحداث الجارية هناك، جاء في ظل صمت عربي مخجل، قدم مصالح سياسية، أو آثر السلامة على حساب دماء الأبرياء الذين يواجهون آلة عسكرية، كان من المفترض أن تُعد لحمايتهم لا لقتلهم، وهذا الموقف الحازم والنخوة العربية الأصيلة من الملك عبد الله تفتح المجال أمام النظام السوري لسلوك طريق الصواب قبل أن تحل الكارثة، فموقف روسيا والصين الذي يعول عليه النظام السوري لن يستمر طويلا، والتدخل العسكري الدولي إذا ما تم، لن يكون في مصلحة الجميع.
لقد أوغل النظام السوري في استخدام القوة لقمع المتظاهرين، ومارس من وسائل الإرهاب البشعة والتنكيل بالأطفال قبل الكبار ما لا يحتمل، وكانت مبرراته التي ساقها أن عصابات تقوم بأعمال القتل، أمرٌ لا يقبله عقل، فالعصابات مهما بلغت قوتها لا يمكن أن تعم معظم المدن السورية، خاصة في بلد تسيطر عليه أجهزة أمن وميليشيات، جعلت المواطن السوري يعيش في خوف دائم.
ولعل من أخطاء النظام السوري القاتلة أنه أراد مع بداية شهر رمضان التعامل مع الوضع كما تعامل مع أحداث حماه عام 1982، مؤملا حسم الأمور خلال هذا الشهر، فجاءت النتائج عكس ما كان يتوقع، فاستغاثات النساء وبكاء الأطفال والدماء التي تسيل في الشوارع ستكون سبباً في حسم الأمر لمصلحة الشعب السوري.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي