«نطاقات» الشجاع

ما إن أعلن وزير العمل الشروع في برنامج "نطاقات" وتم الإفصاح عنه، إلا تبادرت ردود الأفعال المتفائلة والمتشائمة، ولا يهم، فدائماً البشر يختلفون في آرائهم وتطلعاتهم، ما يعنينا هو قراءة البرنامج من نواح عدة، وإن لم تكن مستوفية الجوانب المتعددة للبرنامج، إذ البرنامج لطالما دندن حواليه وله الكتاب والاقتصاديون وأصحاب الشأن، ومع ذلك لم نرَ تفاؤلاً وتفاعلاً كما كنا نرجو ونتوقع ونأمل.
القرار يعد تاريخيا وإبداعيا في الوقت نفسه، إذ سيحاصر تمرد بعض التجار والموسرين على أنظمة الوزارة المطالبة من قبل الحكومة بتوطين الوظائف واستيعاب الخريجين، حيث أعتقد أن صاحب المنشأة سيضرب ألف حساب لكل شاب يطرق باب مؤسسته طالباً عملا حاملاً معه سيرته الذاتية، لأن ذلك الخطر بدأ يمس كيانه التجاري، بطبيعة الحال نحن لا نود إقحام الوزارة في صدام مباشر مع التجار وكبار الأثرياء أبداً، غير أننا فرحون بإيجاد أسلوب يحد من تصاعد أعداد العمالة الوافدة وتكدس أعداد الخريجين.
القرار كان موفقاً لشموله على أمرين مهمين: العطاء والمنع، ما سيثير حدة التنافس بين الشركات الصغيرة والكبيرة والناشئة، وسيعكس مدى إقبال العملاء أو إحجامهم، وذلك من خلال سمعة المركز والمؤسسة، إذ سيستثمر صاحب النطاقين الأخضر والممتاز ذلك في استقطاب مزيد من العملاء من خلال إعلانه في الصحف أو المواقع الأخرى من أنه حاصل على ذاك النطاق، ما سيعكس تعاطف المجتمع معه ويؤدي إلى دعمه ومساندته والترويج له بالأحاديث في المجالس، بخلاف صاحب النطاقين الأصفر والأحمر فإنه سيبيت مكسوفا ومحرجا مما يجعله يخفي لون نطاقه، غير أنه لن يتمكن من إخفائه عن وعي المجتمع وإدراكه، حيث سيتساءلون: لمَ لا يعلن عن لون نطاقه؟
قبل الختام هنا إشارة مهمة؛ القرار لم يشبع قراءة وتحليلا مسهبا وواضحا أمام القارئ، والمتابع من قبل أصحاب الاختصاص مع اعتقادي بأهميته القصوى على المديين الآجل والعاجل، إذ إن الوزير الحالي أسس أسلوبا تكتيكيا يصعب اختراقه والتمرد عليه؛ وأجزم بأنه قام بعمل جمع فيه بين الشجاعة الحازمة والأسلوب المهذب .. وسيبقى تاريخا وقاعدة لن تنقض لعدم وجود ما يعادله من قرارات في الحجم والغاية، واستحق لقب برنامج نطاقات الشجاع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي