العودة إلى المستقبل
في قصص الخيال العلمي طالما طرحت فكرة السفر عبر الزمن، إما بالعودة إلى الماضي، أو الاتجاه نحو المستقبل، وكثير من القصص التي تناولت هذا الأمر تحولت إلى أفلام، يلعب الخيال فيها بعاطفة الإنسان وحنينه إلى الماضي، وأحيانا رغبته في الاطلاع على ما سيكون في المستقبل الذي هو في علم الغيب، والعلماء ما بين قائل بإمكانية تحقيق هذا الأمر، ومن يراه ضرباً من المستحيل.
عالمنا العربي مرت به أوضاع جعلته لا يأمن مستقبله، وينظر إلى ماضيه، رغم ما يحمله من مآس وآلام في بعض أجزائه، على أنه ربما يكون أرحم من المستقبل، ولو افترضنا أن آلة الزمن التي طالما تحدث عنها العلماء والأدباء، وجدت في زمننا الحاضر وطلب من الناس تحديد رغبتهم في السفر، إلى الماضي بكل ما فيه من معاناة، أم إلى المستقبل المجهول، لوجدنا الكثيرين يفضلون السفر إلى الماضي، وربما البقاء فيه، لأسباب عديدة، منها أن الماضي رغم سوئه بالنسبة للبعض، إلا أنه يظل أفضل من الحاضر، والحاضر على الرغم مما نراه من مآس، يظل أرحم مما يخشاه الإنسان في المستقبل، خاصة وعالمنا العربي يعيش هذه الأيام أوضاعاً مأساوية تدفعه إلى الخوف من المستقبل، ويزيد من هذا الخوف تهليل واستبشار بعض سياسي الغرب بما يحدث في عالمنا العربي.
لو استخدمنا آلة الزمن وعدنا إلى الأول من شهر رمضان من العام الماضي وهو يوافق الأربعاء 11 أغسطس، لوجدنا أن حال أمتنا العربية أفضل من حالها الآن، حيث كانت مشكلاتها محصورة في عدد من الدول، أما الآن فقد أضيفت إليها ست دول، لا يعلم إلا الله إلى ماذا سينتهي الأمر فيها، ويدخل شهر رمضان المبارك هذا العام، وبعض الشعوب العربية لا تدري على أية رؤية سوف تصوم، رؤية حاكم فقد شرعيته، بعد أن أعمل السلاح في مواطنيه أم رؤية ثوار لم تستقر أمورهم ولم تتضح أهدافهم ولم تتوحد آراؤهم.
ولو استخدمنا آلة الزمن وعدنا إلى ما هو أبعد من ذلك، إلى الصومال، حينما كان دولة واحدة، يديرها زعيم واحد، لوجدنا الصومال على سوء الحاكم وسوء الأوضاع المعيشية في ذلك الوقت، أحسن حالا من الوضع الحالي، فالصومال الذي يعاني ويلات حرب بين الفصائل المتنافسة في الحكم، تضرب المجاعة جميع أجزائه، وتهدد بكارثة إنسانية، تغافل عنها المجتمع الدولي طويلا حتى استفحلت، فأعاد فتح ملفها وكأنها حدثت بالأمس، فهل هناك ـ باستثناء قادة الميليشيات ـ من يستطيع القول إن وضع الشعب الصومالي الآن، أفضل من وضعه في السابق؟