Author

متى تكون الدورات على الطرق السريعة صالحة للاستخدام الآدمي؟

|
زرت دولا عديدة، خليجية وعربية وإسلامية وغيرها، في آسيا وإفريقيا وأوروبا وأمريكا، فلم أجد أسوأ من دورات المياه على الطرق السريعة في بلادنا، إنها دورات لا تصلح للاستخدام الآدمي، ولذا يضطر كثير من المسافرين لقضاء حاجاتهم في الهواء الطلق، بعيداً عن الأوساخ والقاذورات والجراثيم والميكروبات والحشرات المختلفة الأحجام والأشكال، ناهيك عن عمارتها القديمة المتهالكة، فلماذا تظل المشكلة قائمة في بلادنا ونحن معدودون من الدول الثرية في العالم..؟ حتى في دول عربية متواضعة من حيث الموارد المالية نجد فيها اهتماما مميزا بدورات المياه، وبالتالي، فإن إصلاح دورات المياه، وصيانتها، ونظافتها، وتأمينها بما يحفظ كرامة الإنسان، هو من الأمور اليسيرة لو تم التخطيط لها، واعتمد لها الأموال الكافية، وسخر لها الكفاءات القوية الأمينة. إن تأمين الصيانة لدورات المياه، والقيام المستمر على خدمتها، لا يقل أهمية عن تشييدها وعمرانها، بل هو العنصر الأهم، ومتى تخلف عامل الصيانة والخدمة عن عامل البناء، فإنه يعود عليه بالنقض والإبطال، ومرة تجاوزت الحدود من دولة مجاورة، وكانت دورات المياه فيها تحظى بعناية واهتمام، فلما جاوزتها إلى داخل بلدي، استقبلنا جامع كبير جديد، فقلت: مدهش أن يكون هذا الجامع بدورات مياهه واجهة حضارية للقادم للمملكة، فلما جئت دورات المياه أصبت بخيبة أمل..! وبنظرة فاحصة للدول التي زرتها، نجد الواجهة الحضارية لدورات المياه سببها الخدمة الفائقة لها، والمتمثلة في أمرين: 1- توفير خدم على مدار الساعة يقومون بتنظيفها، وتعقيمها، وأحيانا بتطييبها، فلا يخرج الشخص منها حتى يدخل الخادم، ويقوم بدوره على أكمل وجه. 2- توفير وسائل التنظيف داخل دورات المياه وخارجها. وكثير من الدول، وخصوصاً المتقدمة، تشيد هذه الدورات بأسلوب حديث ومتطور، يساعد على بقاء هذه الدورات نقية طاهرة، وذلك من خلال الاختيار المميز لنوع بلاط ورخام الحمام، ونوع الصناعة الطارد للنجاسة (السيفون)، ومدى صلابتها، وقوة دفعها، إضافة إلى صنبور الماء، وبقية المواد الصحية، وإكسسوارات الحمام، والمواد المطيبة، والمعقمة، والمناديل، والصوابين... إلخ. بل إن بعض الدول ـــ كألمانيا مثلا ـــ يوجد فيها دورات مياه على الطرق السريعة تنظف نفسها بنفسها، فما إن يخرج الشخص من الحمام، حتى يقوم الحمام بتغسيل ذاتي لمراحيضه، وجميع أرضياته، في صناعة مدهشة، وظفها أربابها لخدمة الآدمي، وحفظ كرامته. إن الإسلام هو أعظم ديانة حث على النظافة، وأكد عليها، وجاءت فيه نصوص كثيرة من الكتاب والسنة تحض على الطهارة، والنظافة، وضرورة الاهتمام بخصال الفطرة، ونحوها، وفي آية التنزيل: (وثيابك فطهر) أي طهرها من الأقذار، على إحدى وجوه تفسيرات الآية الكريمة. وأفردت كتب الفقه أبواباً خاصة بالطهارة، ولا يخلو كتاب فقهي منها، ومما ذكره الفقهاء في هذا الخصوص: 1- باب أحكام المياه. 2- باب الطهارة ورفع الحدث الحكمي. 3- باب الطهارة وإزالة النجس المادي. 4- باب الوضوء (بعض أعضاء البدن). 5- باب الغسل (كل أعضاء البدن). 6- باب سنن الفطرة، ومنها تقليم الأظافر، وإزالة الشعور الضارة... إلخ. 7- باب التيمم عند فقد الماء. 8- باب الاستنجاء، والاستجمار عند فقد الماء، وذلك بإزالة النجاسة باستخدام الأحجار، أو المناديل ونحوها عند عدم الماء. 9- باب آداب قضاء الحاجة، ومنه دعاء دخول الخلاء، وأسلوب قضاء الحاجة، وكيف يتجنب المسلم النجاسة حال قضاء الحاجة، وبأي يد يستنجي... إلخ ولم يكتف الفقهاء بذكر الأحكام المشتركة بين الجنسين في التطهر والتنظف، بل ذكروا ـــ أخذاً من هدي الشارع ــــ الأحكام التي ينفرد بها كل واحد من الجنسين عن الآخر في هذا المجال، ومن ذلك مثلا أحكام الحيض والنفاس الخاصة بالمرأة... إلخ. وهذه الإلماحة السريعة لعناية الشرع والفقه بالطهارة والتطهر والتنظف وإزالة النجس تدل دلالة واضحة على ضرورة أن تحظى دورات المياه بعناية خاصة، فالآدمي له حقوق، ومن أبسط حقوقه أن يقضي حاجته بعيداً عن أعين الناس، وفي جو من الكرامة، والنظافة، والرائحة الزكية، والآدمي في بلادنا ليس بأقل درجة من الآدمي في أي بلد في العالم، والدولة بذلت أموالاً طائلة في مشاريع أقل أهمية مما له اتصال مباشر بحاجة من حاجات الإنسان، وضرورة من ضرورياته، ولن يرفض أعلى مسؤول في بلادنا اعتماد مشاريع تعود بإيجابياتها على كل فرد من أفراد الدولة، وينعم بها أبناء الوطن، وزواره، وتمثل واجهة حضارية للقادمين إلى بلادنا عن طريق البر. إن توفير دورات المياه المناسبة، وتأمين الصيانة والخدمة اللائقة بها ليس بأمر بعيد المنال، كما هو الحال في تصنيع القنبلة الذرية، أو بناء حاملات الطائرات والمقاتلات الجوية...، وإنما هو عمل تجسد في دول قريبة وبعيدة منذ عشرات السنين، ولذا فإن كنا في مؤخرة المهتمين، فلا ينبغي أن نكون أقل ميزة من السابقين، بل يجب أن نستفيد من الحاضر الموجود، وبوجه حضاري يتخطى الحدود.
إنشرها