Author

الموارد الجديدة.. تقاناتها وسيرورات معالجتها وطرائق تصنيعها

|
يعالج الكتاب موضوع التقنيات الناشئة عن المواد المطورة، فقد مكن العلم الحديث من اكتشاف موارد جديدة وإدخال تحسينات كبيرة أو صغيرة في المواد الموجودة، وفهم الحدود النظرية النهائية لخصائص المواد قبل تحقيقها عمليا. لقد حظيت بعض التقنيات في السنوات الأخيرة باهتمام كبير، أولاها تقنيات المعلومات والاتصالات وتغذيتها وبخاصة صناعة أنصاف النواقل القائمة على متمم الأكسيد المعدني سيموس، ورقاقات السيليكون. والتقانات الأخرى المهمة اليوم وفي المستقبل القريب هي المواد الفائقة Super materials ومصادر الطاقة صغيرة الحجم وطويلة العمر، وسنرى أيضا استخداما واسعا لخلايا الطاقة. ومن الإنجازات التي تحققت في السنوات القليلة الماضية تطوير سلسلة من المواد المتعددة المعادن المقاومة للحرارة وللتآكل أكثر من المواد الشائعة، وإبداع طرائق محسنة لانبثاق الخلائط المعدنية ومتعددات المعادن العالية حرارة الانصهار التي تنطوي على إمكان الإنتاج منخفض التكلفة وعلى زيادة إنتاجية للمواد تصل إلى 40 في المائة. وظهرت تقنيات جديدة تقلل استخدام الكيماويات الخطيرة الناتجة من إنتاج المواد المركبة بنسبة 75 في المائة مع، تخفيض تكلفة مواد التقوية الأولية وتحسين مواصفات المواد، وباستخدام الذكاء الصناعي والشبكات العصبونية والمنطق الترجيحي، أمكن إجراء تطبيقات واسعة جدا في الإنتاج والتطوير، مثل تصنيع المواد المركبة لتحويل المواد في مسارات محددة مسبقا تؤثر في نتائج متوقعة، وظهرت أيضا تطبيقات الهندسة المتزامنة التي تتطلب اتخاذ القرارات أبكر ما يمكن، وأن يكون اتخاذها قائما على الطبيعة المترابطة للمواد (الراتنجات والمعادن والسيراميك والمقويات والمالئات) وعلى ترتيبها (التوجيه والبنيان والشكل) وعلى مسارات المعالجة. وظهرت المواد المتدرجة وظيفيا، وهي مواد مركبة تتغير فيها نسب الأطوار المكونة للقطعة موضع الاهتمام بغية تفصيل الخصائص موضعيا لتحسين أداء تلك القطعة، وخاصة في مجال التقنيات الفضائية، حيث يتوقع وصول درجة حرارة السطح إلى 2000 درجة مئوية، وبلوغ التدرج الحراري مرتبة مئات الدرجات/مليمتر. ليست التطورات المذكورة سوى جزء من ثورة حصلت في تطور المواد، وقد أتت من خلال اكتشاف مواد جديدة، وتطوير تقنيات معالجة جديدة، وإيجاد طرائق وأدوات قياس جديدة لتحليل المواد، ونتيجة لذلك أصبح من الممكن عمليا تصنيع المواد المركبة والموصلات الفائقة ومواد ذات خصائص جديدة كليا لم نكن نحلم بها قبل 30 عاما، من قبيل البوليمرات الموجهة، والأغشية الألماسية، والمركبات الفوتونية. وطور الباحثون نوعا جديدا من المادة يعتقدون أنها ستكون أقوى من المواد المركبة المعتادة المقواة بالألياف باستخدام طبقات رقيقة متتالية من مواد حاضنة مع بنى التقوية الشائعة، يمكن أن تحل محل المعادن في مكونات هياكل الطائرات والمبادلات الحرارية ومرشحات الهباب، وفي التطبيقات الأخرى التي تحتاج إلى مواد شديدة المقاومة، وتتحمل درجات حرارة عالية. التقانة النانوية التقانة النانوية هي علم وهندسة تكوين مواد وبنى وظيفية وتجهيزات تقع أبعادها في سلم النانومتر (جزء من مليون جزء من المليمتر) وتتضمن مجالا كبيرا من التخصصات والتقانات التي يتوقع أن تكون مطردة الأهمية خلال السنوات المقبلة في تطبيقات الإلكترونيات والطب الحيوي وتقانة المعلومات. يقول نيل لاين المستشار العلمي للرئيس الأمريكي إن التقانة النووية هي مجال العلم والهندسة الذي سيتمخض عن معظم فتوحات الغد العلمية والتقانية. وقد تجاوزت سوق المواد النانوية المليار دولار، ويتوقع أن تصل إلى 35 مليارا في عام 2020، وثمة جوانب محددة وكيماوية جديدة ومحسنة في المستوى الجزيئي تأسر خيال الباحثين، مثل التأثيرات الإلكترونية والذرية المتبادلة بالتغيرات التي تحصل في السلم النانوي، فتشكيل المادة في مستوى النانومتر يجب أن يمكّن من التحكم في خواصها الجوهرية من قبيل المغنطة وسعة الشحنات الكهربائية وعمليات تحفيز التفاعلات الكيماوية من دون تغيير التركيب الكيماوي للمادة. وتتصف النظم الحيوية ببنية منتظمة في السلم النانوي، وهذا يجب أن يمكن من وضع مكونات وتجهيزات صناعية داخل خلايا الجسم لصنع مواد جديدة منتظمة البنية ذات توافق حيوي كبير، محاكية بذلك طرائق التجميع الذاتي الذي يحصل في الطبيعة. وتمتلك المكونات النانوية مساحة سطحية كبيرة جدا، وهذا يجعلها مثالية لاستعمالها بصفتها محفزات أو ماصات في التفاعلات الكيماوية وفي نظم توزيع الطاقة الكهربائية وفي تزويد خلايا جسم الإنسان بالدواء، ويمكن للمواد المبنية نانويا أن تكون أقسى وأقل هشاشة من المواد الكبيرة التركيب نفسه، ويعتقد العلماء أن الجسيمات النانوية ستكون أصغر من أن تحصل فيها عيوب سطحية وستكون أقسى بسبب طاقتها السطحية العالية، ونتيجة لذلك ستكون مفيدة لبناء مواد مركبة قوية جدا، ونظرا إلى أن الأبعاد في المستوى النانوي تقل كثيرا عن تلك التي في البنى الميكروية، فإن التفاعلات ستحصل بسرعة أكبر، وهذا ما يؤدي إلى نظم أقل استهلاكا للطاقة وأسرع أداء. وبدأت التقانات النانوية بالفعل تدخل في المجالات والنجاحات الاقتصادية، مثل إنتاج روبوتات نانوية لمعالجة السرطان، والسيارات ذاتية التجميع، وأنابيب الكربون النانوية. ومن أهم تطبيقات التقانة النانوية: الطلاءات والأغشية الرقيقة للمعادن والسيراميك والعوازل الكهربائية والزجاجية، بمقاومة اهتراء كبيرة، وقساوة شديدة وبمعاملات احتكاك شديدة الضآلة، وتستخدم أيضا في الإلكترونيات النانوية لتطوير محسّات حيوية وكيماوية جديدة ليست ممكنة بالتقانة القائمة حاليا، ويساعد ذلك على كشف جزيئات غير معروفة في مجال التشخيص الطبي وكشف العوامل الممرضة. وطور الباحثون في جامعة رايس تقنية لتنمية نسج عظام قوية بقدر يكفي لتحمل إجهادات الأنشطة اليومية، وهناك تطبيقات مهمة في المركبات الجوية والفضائية والأحذية الرياضية وخراطيم الوقود وحجرات الاحتراق وحاويات الخزن شديدة التبريد، وفي إنتاج أسلاك نانوية غير عضوية ذات خواص أفضل وحماية السطوح من الاحتكاك والاهتراء، ويمكن للمواد المركبة النانوية البوليسترية أن توفر مقاومة كيماوية أكبر واستقرار أبعاد أفضل ومقاومة النيران أشد مما توفره الصيغ المعهودة، وإنتاج مواد سليلوزية مقاومة للماء وقابلة للتشكل حراريا وللتمديد، وتطوير صناعة السيارات، وفي حفظ الأغذية، وفي تقانة الاتصالات يمكن أن تزيد كفاءة نقل البيانات. إن التقانة النانوية توصف بأنها التقانة الرئيسية للقرن الـ 21، لأنها ستتيح السيطرة التامة على بنية المادة على النحو الذي سيطور الصناعات كلها، وتقلل التكاليف والطاقة اللازمة للإنتاج والتصنيع، وبالطبع فثمة تحديات تواجه التقانية النانوية، منها النقل الاقتصادي الآمن والأمن القومي، وتحتاج إلى عناية صحية ومعالجة وتشخيصات متقدمة. خلايا الوقود بدأ مستقبل توليد الطاقة فعلا قبل 100 سنة، وكانت الطاقة تعني المحركات البخارية وما شابهها، وبحلول منتصف القرن الـ 20 بدأ استخدام الطاقة الكهربائية المولدة من الطاقة المائية، وهناك بالطبع النفط والغاز والفحم مصادر للطاقة، ولكن ثمة اهتمام بالغ بتوليد الطاقة الملائمة للبيئة، ولمواجهة نفاد المصادر التقليدية، ومن هذه الخيارات استخدام موارد الطاقة الطبيعية المتجددة، وخلايا الوقود. تتصف خلايا الوقود بكفاءة متميزة وتلويث أقل، وبالبساطة المتأصلة فيها، وقد تكون أكثر تقانات تحويل الطاقة أهمية في توليد الطاقة، وتقليل التلوث في آليات نقل الحركة في العربات. خلية الوقود هي تجهيزات كهروميكانيكية تحول وقود الهيدروجين إلى كهرباء دون احتراق، والناتجان الثانويان الوحيدان عن العملية هما الحرارة وبخار الماء، وهذا ما يجعل طريقة توليد الكهرباء مثالية بيئيا، وثمة عدد هائل من التطبيقات لهذه التقانة، مثل تأمين الطاقة الرئيسة للأبنية والمصانع، وتغذية الهواتف النقالة والحواسيب المحمولة، وأكثر استخداماتها انتشارا في السيارات، ويقدر سوق هذه التقنية بـ 35 مليار دولار. في مجال السيارات فإن خلايا الوقود التي تشطر ذرات الهيدروجين إلى بروتونات وإلكترونات وتدير محركات كهربائية من دون مخلفات سوى الماء ستجعل السيارات أقل تكلفة وأكثر نظافة وسلامة بيئية، علما بأن خلايا الوقود تستخدم في المركبات الفضائية منذ ستينيات القرن الـ 20. بوليمرات البلورات السائلة بوليمرات البلورات السائلة هي فئة من البوليمرات الحرارية التلدن المتقدمة المتحدة، لا بالبنية الكيماوية، بل بنزوعها إلى تكوين بنى منتظمة في الحالتين الصلبة والمصهورة، وهذه البنية المنتظمة تتصف بخواص ميكانيكية وكيماوية وحرارية استثنائية جعلتها قطاعا سريع النمو. وتتميز بوليمرات البلورات السائلة ببنيتها الميكروية القضيبية الشكل في أثناء طور الانصهار، فتصطف جزئيات في تشكيلة شديدة الانتظام تؤدي إلى عدد من السمات الفريدة، منها انخفاض حرارة التبلور، والانسياب الشديد، ومقاومة ملحوظة للانصهار، وهذه البنية تجعل المواد ذات خصائص مهمة، كالتدفق بسهولة في القوالب ذات الأجزاء الرقيقة جدا أو الشديدة التعقيد، وتقلل مدة دورة القولبة، وتنتج قطعا بقليل من أجهاد القولبة، وتلغي عملية تشذيب تلك القطع وخطوات الإنهاء الثانوية الأخرى، وتخفض إمكان انكسارها في أثناء التجميع، وبذلك فإنها ترفع معدل الإنتاجية. ومن المصطلحات الشائعة اليوم بين كيماوي البوليمرات مصطلح "الشبكات المتداخلة" وهي منظومات غير متجانسة تتألف من طور مطاطي وطور زجاجي، وينجم عن هذا التركيب تضافر الخواص الميكانيكية الذي يؤدي إلى مقاومة صدم شدة وتقوية المواد، وتحسين الخواص الحرارية، واستخدامات أفضل ومهمة في السلامة والأمان والاستخدامات الطبية والعلاجية والعسكرية. تقنيات خيط العنكبوت والقواقع البحرية يحرز الباحثون لدى الجيش الأمريكي والعلماء تقدما في دراسة خيط العنكبوت الحريري، وما يثير اهتمام الباحثين هو البروتين الذي يسمح للعنكبوت بالهبوط والتدلي، ويساعد الشبك على اصطياد الفرائس فجزيئات البروتين مصممة كي تسحب، وهي مرنة وقوية جدا، ويمكن مط خيط العنكبوت بمقدار 30 إلى 50 في المائة من طوله قبل أن ينقطع، إنه أقوى من الفولاذ، وقوته من رتبة قوة ليف كيفلار. وقد شهدت السنوات الماضية زيادة ملحوظة في المنشورات العلمية عن خيط العنكبوت، وسبب هذا الاهتمام هو خواصه الميكانيكية المثيرة التي يتصف بها، في وقت يشهد اهتماما بالمواد والمحاكيات الحيوية التي يجري تطويرها في حقل بحوث المواد المطرد التنامي، والسبب الرئيس للاهتمام بهذه المادة هو استخدامها في صنع الملابس الواقية من الطلقات والدروع وأحزمة الأمان. وينصب الاهتمام في جامعة كاليفورنيا على البحث الأساسي في الكيفية التي يلتف بها البروتين، وكيفية ترتيبه ليصبح ليفا حريريا باستخدام مجهر القوة الذرية مع ساحب جزيئات، يحصل الباحثون على بعض الأفكار من التصوير وسحب البروتين، وتساعد هذه الأرصاد الباحثين على نمذجة ما يحصل في خيط العنكبوت الحريري حين تجمع بروتينات الحرير في ليف الخيط، وقد وجدوا أنه يتألف من وحدات متماثلة متكررة حين غزله، وأنه يمتلك روابط مؤقتة تنقطع ويعاد بناؤها في أثناء رفع الحمل، وهذا مشابه لأنماط تكوّن شوهدت في بروتينات حاملة أخرى. وتوجد في حرير العنكبوت أجزاء متبلورة وأخرى أشد مرونة تشبه المطاط، وقد وجد الباحثون أن ثمة جزيئات منفصلة تحتوي على كليهما، وفق ما تقوله هليلين هانسما، الأستاذة المساعدة في الفيزياء في جامعة كاليفورنيا. ويركز باحثون في معهد ماساشوستس للتقانة اهتمامهم على إيجاد مواد لصنع ألياف كبيرة المقاومة يمكن أن يكون لها استخدام يوما ما في الأربطة الصناعية والمنسوجات المتخصصة والتروس الخفيفة الوزن المضادة للطلقات. إن حرير العنكبوت هو بوليمر يحتوي على منطقتين مختلفتين متناوبتين، إحداهما طرية ومرنة، والأخرى مكونة من بلورات صغيرة وقاسية، وبناء على تلك البنية، يحاول الباحثون صنع سلسلة من البوليمرات الصناعية المختلفة، ودراسة كيفية تأثير تغيرات بنى البوليمرات الكيماوية في خواصها الفيزيائية، ويجرى هذا البحث مترافقا مع دراسة تقنيات معالجة تحافظ على الخواص غير المألوفة للمادة الناتجة. وقام باحثون في جامعة كاليفورنيا بتطوير بوليمرات مشابهة للبروتين تستطيع محاكاة نمو البلورات التي يعتمد عليها حيوان أذن البحر والمرجان في بناء قواقعهما القاسية والجميلة، ويمكن استخدام هذه البوليمرات لتكوين نسج جراحة متقدمة، ورقاقات حاسوبية ومكونات أخرى تعتمد على البناء المجهري للبنى المعقدة - وفق رأي العلماء. صحيح أن قواقع حيوان أذن البحر مصنوعة من المادة نفسها التي يتكون منها حجر الجير الهشّ، إلا أنها قاسية جدا ولا يمكن دق المسامير فها، فبروتينات القوقعة الفريدة الشكل تجعل بلورات الكلست والأرجونيت تنمو في لبنات متماسكة، وهذا ما يعطيها قوتها، وبرغم أن البروتينات لا تمثل سوى 1 في المائة من وزن القوقعة فإن القوقعة أقوى بألف مرة من مادة مصنوعة من تلك البلورات فقط. وأخيرا، فإن التطورات في هذه المجالات الجديدة ستستمر خلال العقد القادم، منها ما كان متوقعا، وأخرى ما زالت مجهولة، وهذا الكتاب في خضم تطور تقانات المواد الجديدة تلك، يبين كيف أن التقانة الحاسوبية ستؤدي دورا متناميا في تصميم المواد والسيرورات الجديدة، وكيف سنتحكم في البنية الميكروية بطرائق جديدة، تساعدنا في ذلك مصادر طاقة وبرمجيات وتجهيزات تحليلية جديدة. الموارد الجديدة: تقاناتها وسيرورات معالجتها وطرائق تصنيعها تأليف: مل شفارتز ترجمة: حاتم النجدي مراجعة: يمن أتاسي مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية (الرياض) والمنظمة العربية للترجمة (بيروت) الطبعة الأولى، 2011 1200 صفحة

اخر مقالات الكاتب

إنشرها