default Author

أخيراً.. استخدمت أمريكا وأوروبا سلاح النفط

|
قرار وكالة الطاقة الدولية، والتي تمثل 28 دولة مستهلكة للنفط، بطرح 60 مليون برميل من احتياطي النفط الاستراتيجي خلال 30 يوماً في الأسواق العالمية ما هو إلا إشهار للسلاح، إذا لم يكن في وجه أوبك، فإنه في وجه الأزمات الاقتصادية التي تعانيها أغلب هذه الدول. ونتج عن هذا الإعلان في الأسبوع الماضي أكبر انخفاض في أسعار النفط تشهده أسواق النفط ينتج عن إعلان كهذا. ''الشيطان في التفاصيل'' رغم بساطة القرار إلا أنه كما يقول الأمريكيون ''الشيطان في التفاصيل''، والتفاصيل هنا مهمة، لأنها ستحدد مدى نجاح استخدام الاحتياطي الاستراتيجي. مثلا، ما نوع النفط الذي سيتم طرحه في السوق؟ وهل هناك طاقة تكريرية كافية لتحمل هذه الكميات الإضافية؟ وهل سيتم بيعه مباشرة للشركات أو أنه سيتم تبديله بكميات عينية في المستقبل؟ ما نسبة التبادل؟ وهل ستقوم الشركات بشراء كل الكمية أم جزء منها فقط؟ وهل تم الإعلان عن إفراج عن هذه الكميات بالتنسيق مع السعودية، أم أنه ردة فعل عليها؟ إذا كان ردة فعل، هل تتوقف السعودية عن زيادة الإنتاج؟ أخيرا، إذا اقتنع الصينيون أن انخفاض أسعار النفط في الأيام الأخيرة مؤقت، هل يقومون بشراء هذه الكميات المفرج عنها وتخزينها؟ بعبارة أخرى، هل ستنتهي العملية بتحويل جزء من احتياطيات أمريكا وأوروبا الاستراتيجية إلى احتياطيات استراتيجية في الصين؟ هذه الضبابية في القرار تمتد إلى أمور أخرى، مثلا، في الوقت الذي ظن فيه التجار في أسواق النفط أن السحب من الاحتياطي الأمريكي سيكون في شهر تموز (يوليو)، تبين فيما بعد أنه سيكون في شهر آب (أغسطس)، ولكن وزارة الطاقة غيرت موقفها فيما بعد وقالت إنها ستبدأ السحب في شهر تموز (يوليو) إذا تلقت طلبات شراء من الشركات، إضافة إلى ذلك، فإن قرار سحب 60 مليون برميل لا يعني على الإطلاق وصول هذه الكميات إلى الأسواق لأن الأمر يعتمد على رغبة الشركات في الشراء، لذلك يتوقع أن يتم سحب جزء من هذه الكمية، وليس الكمية كلها. تفسير سلوك وكالة الطاقة الدولية إن إشهار وكالة الطاقة الدولية لسلاح النفط يعني ضمناً ما يلي: 1- اقتناع الدول الصناعية بوصول الاقتصاد العالمي إلى حافة هاوية الكساد مرة أخرى. لذلك لابد من كبح جماح أسعار النفط لمنع الاقتصاد العالمي من الوقوع في الهاوية من جهة، وتحفيز النمو الاقتصادي من جهة أخرى. من هذا المنطلق صنف بعض الخبراء استخدام الاحتياطي الاستراتيجي على أنه في النهاية سياسة نقدية تمثل المرحلة الثالثة من التيسير الكمي. 2- اقتناع الوكالة بانخفاض صادرات العديد من دول أوبك في أشهر الصيف بسبب زيادة الطلب الداخلي على النفط نتيجة النمو الاقتصادي والسكاني من جهة، وزيادة العجز في إمدادات الكهرباء من جهة أخرى. وهذا ما عبر عنه البيت الأبيض ووزارة الطاقة الأمريكية. 3- إن الزيادة في صادرات دول الخليج، إن حصلت، لن تحل الأزمة في أسواق النفط العالمية لأن العجز نتج عن فقدان النفط الليبي العالي الجودة (الخفيف القليل الكبريت) بينما الطاقة الإنتاجية الفائضة في دول الخليج هي من النوع المتوسط والثقيل الذي يحتوي على نسبة عالية من الكبريت. لهذا فإن الولايات المتحدة ستفرج عن نفوط خفيفة قليلة الكبريت، بينما سيكون أغلب ما ستفرج عنه الدول الأوروبية هو منتجات نفطية، بينما ستفرج الدول الآسيوية عن نفوط خفيفة ومنتجات نفطية. من هذا المنطلق فإن أهمية وأثر قرار وكالة الطاقة الدولية باستخدام الاحتياطي الاستراتيجي لا يتعلق بندرته، أو بكميته، أو بعنصر المفاجأة الذي تمتع به القرار، ولكن بنوعية النفط الذي سيتم سحبه. ومن أهم نتائج الإفراج عن النفط الخفيف والمنتجات النفطية هو انخفاض أسعار النفط على المستوى القريب، وانخفاض الفارق بين أسعار خامي غرب تكساس الأمريكي وخام برنت البريطاني. ولعل أهم نتيجة للقرار هي أن الذي يتحكم في ذروة السعر الآن وكالة الطاقة الدولية وليس «أوبك». 4- إن الزيادة في صادرات دول الخليج، إن حصلت، لن تصل إلى الأسواق إلا بعد شهر ونصف تقريبا، بينما يوجد الاحتياطي الاستراتيجي بالقرب من الأسواق، وبالقرب من المصافي التي ستقوم بتكريره. لهذا فإنه السحب من الاحتياطي الاستراتيجي منطقي من ناحيتي النوعية والمسافة. 5- اقتناع وكالة الطاقة الدولية، وبالتالي قادة الدول الصناعية بأن النفط الليبي لن يعود إلى الأسواق خلال الشهور القادمة، الأمر الذي يعد أخبارا سيئة للحكومة الانتقالية الجديدة في ليبيا. الخلاف حول قرار السحب من الاحتياطي الاستراتيجي هناك خلاف كبير بين الخبراء والصحافيين والمتابعين لأمور النفط حول أسباب السحب ومدى فاعلية عملية السحب. ففي الوقت الذي يرى فيه بعض الخبراء أن قرار السحب تم بموافقة السعودية، وبالتالي فإنه يعكس خلافا ضمن دول أوبك وتعاونا بين دول الخليج والدول المستهلكة، يرى آخرون عكس ذلك حيث يرون أن عملية السحب هي رد على دول أوبك كلها، الأمر الذي يعكس خلافا كبيرا بين الدول المنتجة والمستهلكة. وفي الوقت الذي يرى فيه البعض أن الأسواق مشبعة بالنفط ولا حاجة للسحب من الاحتياطي، يرى آخرون أن هناك عجزا في النفط الخفيف، بينما ترى فئة أخرى أن العجز سيمتد إلى كافة أنواع النفوط في شهور الصيف. وفي الوقت الذي يرى البعض أن تخفيض مستوى الاحتياطي يخفف من قدرة الدول المستهلكة، والولايات المتحدة بالذات، بالتعامل مع كارثة حقيقية في المستقبل، يرى آخرون أن نسبة ما سيسحب قليلة، حيث إن مستوى المخزون 727 مليون برميل وما سيسحب منه هو 30 مليون برميل فقط، وما تبقى يعد مرتفعاً بكل المقاييس. وفي الوقت الذي يرى فيه البعض أن السحب هو للتعويض عن عجز في الإمدادات نتيجة خسارة النفط الليبي، يرى آخرون أن السحب كان لتخفيض أسعار النفط. وفي الوقت الذي يرى فيه البعض أن تصرف وكالة الطاقة كان ردة فعل على فشل اجتماع أوبك الأخير، يرى آخرون أن ما يميز هذا القرار هو رغبة وكالة الطاقة في القيام بدور فعال في أسواق النفط العالمية، وأنها ستكرر هذه التجربة لإدارة أسواق النفط العالمية، سواء بالتعاون مع أوبك، أو للضغط عليها. وفي الوقت الذي يرى فيه بعض الخبراء أن عملية السحب تهدف إلى تحفيز اقتصادات الدول الصناعية، إلا أن البعض يرى أن الدول الصناعية خائفة جدا من مشكلة تفاقم ديون الدول الفقيرة، وأنه لابد من تخفيض أسعار النفط لتجنيب العالم كارثة اقتصادية ضخمة. مهما كان سبب قرار السحب من الاحتياطي فإن أثره في المدى القصير كبير، أما على المديين المتوسط والبعيد فإن أثر تصرفات وكالة الطاقة الدولية سيعتمد على مدى رغبتها في لعب دور مهم في إدارة أسواق الطاقة العالمية. إذا كان قرار السحب في الأسبوع الماضي هو الأخير، فإن أثر السحب سيقتصر على شهور الصيف فقط.
إنشرها