الجودة كخيار استراتيجي للوطن
منذ أن ظهر مفهوم الجودة الجديد في بداية الخمسينيات على يد العالم الأمريكي الدكتور ديمنج تسابقت حكومات دول العالم في تبني هذا المفهوم إيماناً منها بدور الجودة الاستراتيجي في تطوير وتنمية البلدان وخدماتها ومنتجاتها. ومن أشهر الدول في هذا المضمار - كما هو معلوم – اليابان، التي كانت من أفقر الدول في موارد الطبيعة ومن أشدها ضرراً من تبعات الحرب العالمية الثانية، فقامت باستقطاب علماء الجودة وسنت القوانين والتشريعات تجاه نقل وتوطين تقنيات الجودة وتطوير التنمية البشرية فتحقق لها ما أرادت من الحضارة التقنية المذهلة التي كانت وما زالت الجودة أبرز مظاهرها، فما تذكر الجودة وإلا تتجه الصورة الذهنية إلى اليابان، ما جعل العالم يحاول أن يدرس هذه النجاحات ويحاكيها، ومن أبرز الدول التي نجحت في ذلك الولايات المتحدة التي عملت على نشر وتبني مفاهيم الجودة وتطبيقاتها المختلفة بعد أن تيقنت أن أحد أسباب ركود البلاد اقتصادياً هو ضعف جودة منتجاتها وخدماتها فأخذت بسن العديد من التشريعات والقوانين في هذا المجال.
وإن المتأمل في قرارات وتوجيهات ولاة الأمر في بلادنا العزيزة يجد اهتماما واضحا وتوجها بارزا على أن الجودة خيار استراتيجي لا مزايدة عليه، ويجب أن تكون ذات أولوية في جميع أعمال منشآت القطاعين الحكومي والخاص، ويتمثل اهتمام الدولة - رعاها الله - بسن حزمة شاملة من القرارات والتوجيهات أبرزها ما يلي:
1. الموافقة على إنشاء جائزة الملك عبد العزيز للجودة عام 1420هـ بموجب خطاب المقام السامي رقم 7/ب/18670 وتاريخ 27/11/1420هـ، وإطلاق دورتها الأولى عام 1428 هـ ودورتها الثانية عام 1431هـ.
2. إنشاء اللجنة الوطنية لكود البناء السعودي SBCNC بتاريخ 19/3/1421هـ، الذي يهتم بجودة البناء من خلال إعداد كود بناء موحد في المملكة لتحسين الكفاءة الزلزالية للمباني واقتراح الأنظمة التي تلزم الجهات العامة والخاصة بتطبيق أسس ومعايير تصميم المباني والمنشآت المقاومة للزلازل في المملكة.
3. إنشاء الهيئة العامة للغذاء والدواء بموجب قرار مجلس الوزراء الموقر بتاريخ 7/1/1424هـ تهدف إلى سلامة وجودة الغذاء والدواء والمنتجات الطبية.
4. إنشاء الهيئة الوطنية للتقويم والاعتماد الأكاديمي بتاريخ 9/2/1424 هـ من أجل الارتقاء بجودة التعليم العالي وضمان الوضوح والشفافية وتوفير معايير مقننة للأداء الأكاديمي.
5. إقرار إنشاء برنامج الجودة في القطاع الصحي في المملكة العربية السعودية بتاريخ 5/5/1426هـ وهو برنامج CBAHI، الذي يهدف إلى الرقي بالخدمات الصحية بعد نجاحه في منطقة مكة المكرمة تحت برنامج تطبيق الجودة الشاملة في منطقة مكة المكرمةMRQP .
6. إنشاء جمعية حماية المستهلك بموجب قرار مجلس الوزراء بتاريخ 17/6/1428هـ، التي تعنى بشؤون المستهلك ورعاية مصالحه والدفاع عنها وتبني قضاياه لدى الجهات العامة والخاصة ومساندة جهود الجهات الرسمية ونشر الوعي الاستهلاكي، وحمايته من جميع أنواع الغش والتقليد والاحتيال والخداع والتدليس في جميع السلع والخدمات بما فيها السلع الغذائية والدوائية المستورد منها والمصنع محليا.
7. إنشاء مركز قياس الأداء للأجهزة الحكومية في 4/7/1428هـ، والتأكيد على الاستمرار على تنفيذه من قبل مجلس الوزراء الموقر في اجتماعه في رجب 1432هـ.
8. الموافقة السامية على إعداد الاستراتيجية الوطنية للجودة الاستراتيجية الوطنية للجودة وإنشاء مركز وطني للجودة والإتقان كبيت للجودة يهدف إلى وضع الخطط والبرامج السنوية ومتابعة تنفيذها وتأهيل الكوادر الوطنية في مجال الجودة وتطبيقاتها المختلفة، وقد تم الإعلان عنها في ملتقى أفضل الممارسات الأول عام 1429هـ.
9. إضافة مهمة الجودة لاسم بيت الجودة الأول الهيئة الوطنية للمواصفات والمقاييس، حيث صدر قرار مجلس الوزراء الموقر رقم 61 وتاريخ 28/2/1430هـ بتعديل اسم الهيئة إلى الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس والجودة.
10. إنشاء الجمعية السعودية للجودة بموجب قرار مجلس الوزراء في جلسته بتاريخ 18/10/1431هـ، التي تهدف إلى ترسيخ مفاهيم الجودة الشاملة في جميع القطاعات الحكومية والخاصة وتبني نظم ومفاهيم الجودة وتعزيز مشاركة المجتمع السعودي في بناء الجودة إلى جانب استكمال منظومة الجودة في المملكة وتعزيز دور الهيئة وجهودها ونشاطاتها في مجال الجودة.
11. رعاية المؤتمرات والملتقيات الوطنية في مجال الجودة والتميّز ومن ذلك المؤتمر الوطني للجودة، الذي أقيم ثلاث مرات، حيث تمت إقامة الأول عام 1425هـ في الرياض، والثاني عام 1428هـ في الدمام، والثالث عام 1431هـ في جدة، وملتقيات أفضل الممارسات لجائزة الملك عبد العزيز للجودة، وغيرها من المؤتمرات العامة أو المتخصصة في مجالاتها كالتعليم والصحة.
12. ونظراً لأن الجودة تضمحل أمام عدوها الاستراتيجي الفساد الإداري بكل ما يحمله المصطلح من معان ومجالات فكان تأسيس الهيئة الوطنية لمحاربة الفساد في يوم الجمعة 13/4/1432هـ كأحد أهم قرارات خادم الحرمين التاريخية الاستثنائية.
وكل تلك الجهود والقرارات تستهدف تحقيق رؤية المملكة 2020 الطموحة التي تنص على أن ''المملكة العربية السعودية بمنتجاتها وخدماتها معيار عالمي للجودة والإتقان''، التي في ضوئها أطلق خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - حفظه ورعاه - الكلمة التاريخية ''أنه ليس من سبيل للمملكة للمنافسة والمشاركة الفاعلة عالميا، إلا عندما تكون الجودة معيارها الأساسي في كل ما تقدمه للعالم، مستمدة هذا الإتقان من تعاليم الدين الإسلامي الحنيف، مشيرا - حفظه الله - إلى أن الجودة أصبحت أهم المرتكزات للوصول إلى العالمية، بمنتجات وخدمات تعكس واقع المملكة وإمكانات أبنائها''.
إن المسؤولية أصبحت ملقاة على كاهل كل مسؤول كلف بشيء من المهام والقرارات السابقة التي تستلزم أولاً منه أن يتذكر عظم الأمانة والمسؤولية وعظم توابعها من الحساب في الدنيا والآخرة ثم تستلزم الجد والاجتهاد إلى تحويل ما سبق إلى برامج عمل جادة تحقق الهدف منها كما أكد على ذلك خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - عندما خاطب المشاركين في حفل افتتاح فعاليات المؤتمر الوطني الثالث للجودة التي ألقاها نيابة عنه وزير التجارة والصناعة عبد الله بن أحمد زينل قائلاً: ''أدعو جميع المسؤولين في القطاعات كافة إلى تبني مفاهيم وأسس ومعايير الجودة والتميُّز في جميع خططهم وأنشطتهم وأعمالهم، والحرص على التطوير والتحسين المستمر لتحقيق الجودة والإتقان في القطاعات الإنتاجية والخدمية الخاصة والحكومية، لتحقيق الرؤية الطموحة لعام 2020، وأردف خادم الحرمين الشريفين ''إن تحقيق رؤية المملكة واستراتيجيتها الطموحة في مجال الجودة يتطلب الحرص من الجميع على القيام بالدور المنوط بنا على المستوى العالمي من أجل دعم القدرات التنافسية لمنتجاتنا وخدماتنا ومنحها قيمة مضافة للمنافسة في الأسواق العالمية''.