default Author

وفاة «أوبك»

|
ورد في مقال الأسبوع الماضي الذي نشر في اليوم السابق لاجتماع ''أوبك'' في فيينا: ''وأمام ''أوبك'' خياران لا ثالث لهما: إبقاء سقف الإنتاج على حاله مع إعطاء الضوء الأخضر للدول التي تريد أن ترفع إنتاجها فوق حصصها الحالية أن ترفع الإنتاج، أو إصدار قرار رسمي برفع سقف الإنتاج''. ورغم توقع الخبراء أن ''أوبك'' ستتبنى الخيار الثاني، تبنت ''أوبك'' الخيار الأول، لكن من دون اللون الأخضر. وما إن انتشر الخبر حتى بدأت التحليلات تنهمر من الخبراء والصحافيين ومراكز البحوث وبيوت المال العالمية، التي ركزت على الخلاف ''العميق'' بين دول ''أوبك''، وبالتحديد بين دول الخليج والدول الأخرى، وعلى رأسها إيران، خاصة بعد تصريح وزير البترول السعودي المهندس علي النعيمي، الذي ذكر فيه أن الاجتماع الأخير كان من أسوأ الاجتماعات. ورأينا عناوين عريضة مثل ''بوادر شقوق في الكارتل'' و''احتمال انهيار الكارتل'' في صحف مرموقة مثل ''الوول ستريت جورنال''، ووصل الأمر إلى أن البعض تحدث عن ''وفاة أوبك''، و''وفاة الكارتل''، كما قام البعض بكتابة رثاء في ''أوبك'' كما فعل أحد مراكز بحوث الطاقة في لندن، مرار وتكرارا عبر السنين، الأمر الذي حدا بالأمين العام للمنظمة بالقول في تصريح صحافي: ''نظام الحصص لم يمت''. ورغم أن الحديث عن وفاة ''أوبك'' يعد تطرفا بكل المقاييس، إلا أن الأكثر تطرفا مقالات صحافية تركز على أن محور الثقل في ''أوبك'' انتقل من السعودية إلى إيران، أو ما قاله بعض الخبراء مثل فيليب فيليجر من أن السعوديين خططوا لمؤامرة مفادها رفع الأسعار لتخفيض الطلب على النفط السعودي، لكن في الوقت نفسه أظهروا للعالم أنهم يرغبون في رفع الإنتاج لمساعدة الاقتصاد العالمي. لكن ما حقيقة الأمر؟ سواء اجتمعت ''أوبك'' أم لا، وقررت زيادة الإنتاج أم لا، فإن ما يحكم سعر النفط في النهاية هو الكمية النفطية الموجودة في السوق، وليس الكمية التي تعلن ''أوبك'' عنها. لهذا فإن فشل الاجتماع في الوصول إلى إجماع حول مستوى سقف الإنتاج لا معنى له على أرض الواقع. إن فشل الاجتماع في الوصول إلى قرار بشأن الإنتاج، لا يعني بأي شكل من الأشكال ''وفاة المنظمة''، ولا يعني بأي شكل من الأشكال أن إيران حلت محل السعودية، ولا يعني ''انهيار الكارتل''، لأنه ليس هناك كارتل أصلا. وكانت ''الاقتصادية'' قد نشرت سلسلة طويلة من المقالات على مدى 26 حلقة تم فيها توضيح ماهية ''أوبك'' ودورها في أسواق النفط العالمية وفيما يلي خلاصة تلك المقالات: ''إذاً ما هي أوبك''؟ ''أوبك'' مجرد ناد لمنتجين. العضوية في هذا النادي لها منافعها وتكاليفها، وستستمر الدول في عضويتها طالما أن المنافع أكبر من التكاليف، الأمر الذي يفسر خروج بعض الدول ودخول دول أخرى. تكاليف العضوية مبالغ بسيطة نسبيا تدفعها الدول الأعضاء، إضافة إلى تكاليف اجتماعات الوزراء والمسؤولين. أما المنافع فهي كثيرة، خاصة بالنسبة للدول الصغيرة. إن أهم منفعة هي أن ''أوبك'' منظمة بحثية تقوم بإجراء بحوث مكلفة، ليس في مجال النفط فقط، إنما في كل مجالات الطاقة، وتحصل الدول الأعضاء على هذه البحوث ونتائجها كاملة، بينما تدفع جزءا بسيطا من تكاليفها. وعلينا أن نتذكر أن هناك منافع سياسية، خاصة أننا شهدنا حروبا وانقطاعا في العلاقات الدبلوماسية بين أغلبية دول ''أوبك''، لكن ظل مندوبو هذه الدول يجتمعون على طاولة واحدة في اجتماعات ''أوبك''، وظلوا يرسلون إشارات معينة إلى الطرف الآخر من خلال هذه الاجتماعات. وعلينا أن نتذكر في هذه المناسبة أن الولايات المتحدة طلبت من ''أوبك'' الاعتراف بالمندوب الجديد للعراق، قبل أن تعترف الأمم المتحدة أو جامعة الدول العربية بالحكومة العراقية الجديدة. ولا شك أن الدول الصغيرة في ''أوبك'' تستفيد كثيرا لأنه لو كل شعوبها وقفت على صعيد واحد وصاحت بأعلى صوتها فإن العالم لن يسمعها، لكن لو تفوه وزير نفطها قبل أو بعد اجتماع ''أوبك'' بجملة، فإن العالم كله ينصت، وتسجل كل وسائل الإعلام العالمية جملته كلمة كلمة. باختصار، ''أوبك''' لم تنهر بسبب ضعفها، ولن تنهار طالما أنها استمرت على هذه الحال، وإذا انهارت فإن ذلك لن يؤثر في أسعار النفط .. ''أوبك'' هي السعودية، والسعودية هي ''أوبك''. لنتذكر أن أسعار النفط انخفضت إلى عشرة دولارات للبرميل في منتصف الثمانينيات وفي عامي 1998 و1999، ولم تمت ''أوبك'' ولم تنهر، وأن بعض دول ''أوبك'' خاضت حروبا مع بعضها ولم تمت ''أوبك'' لم تنهر (العراق وإيران، والعراق والكويت)، وأن خلافات دبلوماسية قوية حصلت بين الدول الأعضاء وصلت إلى حد قطع العلاقات الدبلوماسية، ومع ذلك استمر مندوبو هذه الدول يجتمعون في الغرفة نفسها في اجتماعات ''أوبك''، وأن الخلافات ضمن دول ''أوبك'' حول مستوى الإنتاج قديم قدم الحصص الإنتاجية التي تم تبنيها عام 1982، ومع ذلك لم تمت المنظمة ولم تنهر. لماذا يعتقد البعض أن مجرد خلاف حول سقف الإنتاج سيؤدي إلى انهيار المنظمة؟ ومواساة لمعالي وزير البترول السعودي المهندس النعيمي الذي ذكر أن الاجتماع كان أسوأ اجتماع حضره نذكّره بأن الخلافات بين دول ''أوبك'' كانت كبيرة جداً في الثمانينيات لدرجة أنها ألهبت مشاعر وزير النفط الإماراتي آنذاك فكتب القصيدة تلو القصيدة حتى كون ديوان شعر عن الخلافات بين دول ''أوبك''. أما بالنسبة لأثر عدم الاتفاق في أسعار النفط فإن مقال الأسبوع الماضي أوضح أنه حتى لو اتفقت ''أوبك'' على زيادة الإنتاج فإن ذلك لن يخفض أسعار النفط، وذلك لأسباب عديدة أهمها انخفاض صادرات الدول النفطية خلال أشهر الصيف بسبب العجز في الكهرباء في هذه الدول. لذلك فإنه سواء اتفقت ''أوبك'' أم لم تتفق فإن الواقع على الأرض لن يتأثر إلا بكمية النفط المصدرة، وليس المنتجة، والصادرات، إن زادت، ستكون زيادتها قليلة.
إنشرها