جودة الأستاذ الجامعي
لا شك أن التعليم هو محور ارتكاز تطور الشعوب وسر حضارتها، وإن جودة التعليم هي أهم أسباب تميُّزه وتميّز مخرجاته المرجوة منه. وإن لجودة التعليم أسبابا ووسائل ينبغي تحقيقها سواء في جانب النظام التعليمي نفسه أو الجانب الإداري المساند له، وإن من أبرز أسباب تحقيق الجودة في التعليم جودة عضو هيئة التدريس الذي يعد من أهم عناصر العملية التعليمية، والذي بتميزه وجودته نجزم قطعا بأن التعليم سيحقق تميّزا كبيرا، خصوصا مع تحقيق جودة عناصر منظومته الأخرى، فجودة التعليم العالي تنطلق أساسا من جودة أعضاء هيئة التدريس.
إنَّ أساتذة الجامعة هم موارد ثروة عظيمة في البلدان لما يقومون به من إعدادٍ للأجيال التي ستقوم بأدوار مهمة في المجتمع، وهم يمثلون حجر الزاوية في تقدم الجامعات وتحمل أعبائها لتؤدي رسالتها العملية والعلمية في خدمة المجتمع وإحراز التقدم العلمي.
وإن أستاذ الجامعة الكفء هو الذي يمتلك قدرا من الصفات المهنية والشخصية التي تحدد معالم الجودة في شخصيته، وقد ذكرها علي راشد في كتابه ''الجامعة والتدريس الجامعي''، أنقل لك أيها القارئ الكريم أهمها كما يلي:
أولا: الصفات المهنية: وتتمثل فيما يلي:
- تقدير مهنة التعليم والاعتزاز بكونه أستاذا في الجامعة، واحترام النظام الجامعي وتعليماته.
- الإلمام بأهداف التعليم الجامعي وكيفية تحقيقها.
- الإسهام في تقدم وتطوير قسمه الذي يعمل فيه والكلية والجامعة.
- تنمية العلاقات الإنسانية الإيجابية مع الطلاب والتعامل معهم بالود والاحترام.
- إظهار مستوى عالٍ من الأخلاق تتسق مع أخلاقيات المربِّين الأفاضل.
- العمل على التطوير الذاتي وتطوير الأداء الأكاديمي والمهني ومهارات البحث العلمي.
ثانيا: الصفات الشخصية: وتتمثل فيما يلي:
- التحلِّي بقدرات ومهارات التفكير العلمي واتجاهاته.
- الالتزام في سلوكه مع الآخرين بالمنهج الرباني حتى يكون قدوة صالحة لطلابه في أقواله وأفعاله.
- التمتع بالصحة الجسمية والنفسية التي تؤهله للقيام بوظائفه المختلفة.
- الاحتفاظ بتحكم انفعالي مناسب، فلا يدع للغضب أن يتملكه ولا العجلة في المواقف المختلفة.
- الثقة بالنفس وقوة الشخصية.
- الإخلاص في العمل وإنجاز الأعمال والمسؤوليات بجدية واهتمام.
وإن المتأمل في منظومة تعليمنا العالي اليوم يجد صفة واضحة فيها جوانب إيجابية كبيرة استطاعت وزارة التعليم العالي تحقيقها ألا وهي نسبة السعودة العالية من أعضاء هيئة التدريس في الجامعات والكليات التابعة لها، فهذه الشريحة الغالية من أفراد المجتمع هم مصدر من مصادر فخر البلاد المباركة واعتزازها، يستحقون منا الثناء عليهم وذكر محاسنهم وشكرهم على جهودهم في سبيل بناء أجيال المستقبل وتطوير العلوم والتقنية حاضرا ومستقبلا. ومن العون والتسديد الذي يجب أن نقدمه لهم ذكر الملاحظات والمظاهر السلبية التي يقع فيها بعض أساتذة الجامعة ويلاحظها الطلاب والعاملون والتي تؤدي ولا شك إلى ضعف مخرجات وجودة العملية التعليمية. وفي هذا المقال أذكر بعضها إجمالا رجاء التنبيه عليها ومحاولة إصلاحها ذكرى لأولي الألباب كما يلي:
1. الضعف العلمي لكثير من أساتذة الجامعة في مجال تخصصه، وقلة الاطلاع على الجديد من النظريات والاكتشافات والأبحاث العلمية في مجاله، حيث إن بعضهم وبمجرد حصوله على الشهادة العليا يتوقف عن القراءة والتحصيل وتضعف همته وتمتلئ أوقاته بكل شيء إلا الكتاب والبحث العلمي.
2. قلة، بل ندرة مساهمة الأستاذ الجامعي في النشر العلمي للأوراق العلمية في المجلات العالمية وعدم الاستمرارية عند البعض الآخر، وهذا من أبرز مظاهر التوقف العلمي المشار إليه سابقا، وللأسف لا يوجد إلا عدد قليل من أساتذة الجامعات السعوديين ممن يعرفون بالغزارة العلمية في هذا المجال. والكثير منهم لا يولي البحث العلمي جهدا ولا وقتا، وفي إحصائية بحثية ذكرت أن نسبة نشاطات البحث العلمي لأساتذة الجامعات في العالم العربي لا تزيد على 5 في المائة من أعبائهم الوظيفية، بينما في الدول المتقدمة تحتل 33 في المائة.
3. عدم تفرغ كثير من أعضاء هيئة التدريس لمهمتهم الرئيسة التعليم والتربية؛ وذلك بسبب الانشغال التام أو الغالب بأعمال أخرى من الاستشارات التجارية أو المهام الإدارية أو الإعارة لمنشآت أخرى، وللأسف في كثير من الحالات في غير تخصصه الذي أفنى كثيرا من سنوات شبابه فيه وأنفقت الدولة عليه. وإني إذ أشير إلى ذلك أدين الله أني لا أحسد هؤلاء الفضلاء، بل أشجع الاستفادة من قدراتهم العالية ومهارتهم العلمية، لكن بشرط ألا يكون ذلك على حساب التخصص ومهمة التعليم الأساسية. أجزم بأن كثيرا من الأساتذة حتى في بعض التخصصات والكليات الشرعية للأسف يشتكي الطلاب من كثرة غيابهم وعدم انتظامهم في محاضراتهم وساعاتهم المكتبية المقرر وجودهم فيها لاستقبال الطلاب ومساعدتهم علميا وأكاديميا حتى أن مكاتبهم اشتكت من كثرة الغبار، وتعجب أشد العجب للبون الشاسع بين ساعات العمل بين أساتذة الجامعات السعودية ونظرائهم من الدول الأخرى المتطورة علميا وحضاريا.
4. نظرا لأن مهمة التعليم والتدريس وبالذات في المرحلة الجامعية هي مهمة تربوية حساسة تستلزم اتصاف هيئة التدريس بالقدوة الحسنة من الأخلاق العالية والوازع الديني، لكن يوجد من أساتذة الجامعات - ونأمل أن تكون نسبتهم قليلة - من لديهم أزمة أخلاق فيظهر الكبر والتعالي على الطلاب، والغرور وازدراء الآخرين، وعدم الرحمة والشفقة بالطلاب، وظلمهم وبخسهم حقوقهم في الدرجات.. واسألوا طلاب الانتساب عما يواجهونه ويعانونه!
عزيزي القارئ.. عندما نتحدث عن هذه السلبيات فإنه - ولله الحمد - نجزم جميعا بأن لدينا أمثلة كثيرة من أساتذة الجامعات الذين يتميزون بالصفات الأخلاقية الرائعة والخبرة العلمية الرائدة قدموا أروع الأمثلة في عطائهم وتفانيهم ولا يزال يذكرهم طلابهم بكل خير ويدعون لهم حتى بعد مغادرتهم الحياة.
جزى الله خيرا عنا وعن طلابه وعن بلاده وأمته كل أستاذ أخلص في أمانته وكان قدوة في الأخلاق والعلم والعمل وكان سببا في تعليم وتأديب وتوجيه الجيل بعد الجيل، ليكونوا لبنة صالحة في المجتمع تخدم البلاد والعباد.
والله من وراء القصد.