بمناسبة اجتماع الطائف أحيي وأرحب بتصريح الأمير منصور بن متعب بن عبد العزيز وزير الشؤون البلدية والقروية الشفاف المتضمّن تقييما ونقدا ذاتيا غير مسبوق حول الخلل والضعف في المنهجية والسلبيات في الأمانات والبلديات المتفرّعة عن الوزارة، حيث تم التقييم الموضوعي بأسلوب مميز وغير مسبوق أيضا، وذلك بإشراك أكاديميين متخصصين من جامعة الملك سعود؛ ومشاركة الغرف التجارية والصناعية وأمناء المناطق والمحافظات من الوزارة.
ومنذ تولي الأمير منصور الوزارة يتضح توجهه الطموح للتغيير الإيجابي بإحداث وتحديث تنظيمات تحّقق للمواطن بعض تطلعاته ومطالبه، على سبيل المثال قرار رفع نسبة الملاحق العلوية في مباني الأفراد السكنية إلى 50 في المائة من مسطحات المبنى؛ وقرار في السياق نفسه برفع مساحة ملاحق المباني التجارية بالنسبة نفسها وإصدار رخص البناء في يوم واحد؛ وقرار إضافة دور ثالث للمباني الاستثمارية في بعض الشوارع التجارية؛ وبالأمس محاور جدول أعمال الاجتماع الدوري الرابع لأمناء المناطق والمحافظات في الطائف. وما جاء في تصريحه حول تكليف شركات عالمية لعمل مخطط إرشادي لتحديد أنظمة البناء وتحديد الارتفاعات لكل مدينة لهو بحق يبشر بنقلة نوعية لمستقبل مدننا والانعتاق من النمط التقليدي للبناء والقيود غير المبررة وغير الموضوعية على الارتفاعات وأنماط البناء لأكثر من نصف قرن!
يطيب لي أن أسجل بعض الرؤى والملاحظات، وأتمنى أن تنال الاستحسان وتبنيها ضمن فعالية وتوصيات المؤتمر الحالي أو برامج الوزارة المستقبلية:
أولا: رغم تميز خدمات وزارة الشؤون البلدية والقروية عن غيرها من الجهات الخدمية والرقابية، وتحديدا خدمات الأمانات والبلديات كنظافة المدن وصحة البيئة والرقابة الميدانية على نظافة أسواق الخضراوات والمطاعم والمواد الغذائيه... إلخ، إلا أن الرقابة الميدانية ومراقبي رخص المباني الجديدة التي تحت الإنشاء وصحة البيئة والمواد الغذائية تحديدا، يحتاجون إلى رفع مستواهم عدديا إلى ألف مراقب ومفتش على مستوى المملكة، كما ذكرته في مقالي السابق عن وزارتكم بتاريخ (24 مارس 2011)، وكذلك فنيا وعلميا وماديا وتعيينهم على مراتب رسميّة ثابتة مناسبة وفق الأمر السامي الكريم الأخير وليس على البند أو الأجر المقطوع ومنحهم حوافز عينية كسيارة وبنزين وجوال للاستعمال الرسمي ومكافآت مادية على الإنتاجية والضبط وبتحقيق رغباتهم المادّية نحفّزهم ونضمن حسن الأداء والولاء والأمانة في العمل، ومن عناصر رفع المستوى ألا يكلف بالمراقبة والتفتيش إلا من يتوافر فيه الحد الأدنى لشروط معّينة مثلا ثانوية عامة أو جامعي ومشهود لهم بالأمانة والإخلاص وتقارير العمل لا تقل عن جيد جدا؛ وألا يقل عمره عن 30، ومن الضرورة حصولهم على دورة تدريبية مكثفة متخصصة في معهد المساعدين الفنيين أو بمعهد الإدارة العامة حتى لو صمم برنامج خاص لهذه الغاية ويؤدون القسم.
ثانيا: ارتفاعات المباني التجارية في بعض الشوارع والأحياء صنفت نوعين: دوران ونصف دكاكين وشقق تجارية؛ وثلاثة أدوار ونصف شقق سكنية، ورغم عدم تخصصي في الهندسة إلا أن المنظور العام متنافر وغير متناسق ويشّوه المنظر العام؛ ويكون من الأفضل توحيد هذين النوعين بثلاثة أدوار ونصف، لكون النوعين يقعان على شارع تجاري ومتجاورين أحيانا، واشتريت الأرض بالتكلفة نفسها تقريبا؛ ولا أعرف أصلا لهذه التفرقة!
ثالثا: إن توجه الحكومة بقيادة خادم الحرمين أحدث حراكا ونقلة نوعية بحزمة القرارات منها إعادة إنشاء وزارة مختصة بالإسكان والأمر الملكي بإنشاء نصف مليون وحدة سكنية على مستوى المملكة والتعجيل باكتمال واعتماد أنظمة الرهن والتمويل العقاري ورفع قيمة القروض للأفراد من بنك التنمية لنصف مليون.
كل هذه مجتمعة مع زيادة العروض للأراضي والوحدات السكنية الجاهزة في السوق ستشكّل مبررات موضوعية تؤدي إلى انخفاض أسعار الأراضي والإيجارات.
ولو أضفت إليها (رابعا وخامسا وسادسا) لطلبت تدخل هيئة السياحة لوقف التنافس المحموم من المستثمرين لحجز كل العمائر ومجمعات الفلّل وشغله كوحدات إيواء مفروشة لما لها من أضرار مباشرة على الصناعة الفندقّية وتقليل المعروض من هذه الوحدات، وأرى ضرورة تقييدها لمواجهة الطلب من الأفراد والأسر المحتاجة للإيجار، وإلا فإن ارتفاع الإيجارات ومؤشر التضخم سيستمران في الارتفاع. وسأفرد مقالا أكثر تفصيلا لهيئة السياحة.
من جانب آخر، الحكومة من أكبر العملاء للسوق المحلية طلبا لاستئجار العقارات بجميع أنواعها لمرافقها وهيئاتها ومدارسها ... إلخ، التي تنمو سنويا، ما قد يرفع التضخم ويشكل ضغطا على الطلب في السوق ويرفع أسعار البيع والإيجار، لأن الملاك ينتظرون بالأشهر العميل المميز مصلحة حكومية أو مستثمر شقق مفروشة لأنه يدفع أكثر ومقدما، وعلى الأجهزة الحكومية وضع خطط وبرامج للاستغناء عن استئجار العمائر والفلل وبناء مقار تخدم احتياجاتها من ميزانياتها.
كما أطرح فكرة إعادة النظر في قرار السماح للأجانب بتملك المساكن (فلل أو شقق أو أراض) إما بالإلغاء وإما بتعليقه 15 سنة على الأقل مهما كانت الدوافع، لأن مستوى دخولهم وقدراتهم الشرائية أكبر بكثير من المواطن العادي ذي الدخل المحدود والطبقة المتوسطة ــ إن بقي لها وجود بعد انهيار سوق الأسهم العظيم عام 2006! وتملك الأجانب المساكن شكل زيادة في الطلب وقلة في العرض فزادت أسعار البيع والإيجار. فالسكن تملكا وإيجارا أولا وعاشرا للمواطن، وبعد احتفال وزارة الإسكان بتملك 99 في المائة من السعوديين منازل يعاد تفعيل قرار تملك الأجانب مع تعديل مقيّد المعاملة بالمثل. لو طبق هذا الطرح تكون الحكومة قد خلقت مناخا لسوق عقارية متوازنة، وأسهمت في انخفاض كبير لقيمة الأراضي والإيجارات والمنازل الجاهزة، ما سينعكس إيجابا على انخفاض مؤشر التضخم ويجعل الأرض والإيجار والوحدات السكنية المعروضه للبيع في متناول الجميع وكسر حدة الأسعار والاحتكار لعبة هوامير العقار!
سابعا: وأنا أختم مقالي تبادر إلى ذهني استعارة فكرة طرحتها كتعليق في 25/2/2011 في ''الاقتصادية'' الإلكترونية من خمسة أسطر أوردها بتوسّع هنا كاستطراد للموضوع وتثنية وتأكيدا لمقولة وزير الشؤون البلدية والقروية: ''إن ما تقوم به الدولة من برامج في تطوير وتوزيع الأراضي سيسهم بشكل كبير في تخفيض أسعار الأراضي''، من هذا المنطلق أقدّم رؤية كاستشارة لو تبنى سموكم فكرة تقنيّن وتنظّيم وتوحيد مرجعية أملاك وأراضي الدولة بالحفظ والمنح والبيع، لذا أقترح:
1- نقل مصلحة أملاك الدولة من وزارة المالية لعدم الاختصاص وضمها إلى وزارتكم كوكالة للوزارة لشؤون أملاك الدولة والأراضي، أو هيئة مستقلة يرأس مجلس إدارتها وزير الشؤون البلدية، أو ترتبط مباشرة برئيس مجلس الوزراء هذا من جانب. 2 - من جانب آخر المملكة بحجم قارة ولا تعاني نقصا في الأراضي الصالحة لكل الأغراض السكنية والتجارية والصناعية والزراعية، وبدل الانتقائية والعشوائية في المنح، وتصبح تجارة الأراضي دولة بين الأغنياء، لذا أقترح إصدار نظام يقنّن أو لائحة تنّظم المنح والبيع للعامة والنخب، وسيحقق مثل هذا النظام فوائد ومحاسن منظورة وغير منظورة وقيما مضافة لا تقدّر بثمن كإحساس المواطن بالشعور بالرضا، فالمواطن يريد أن توفر الحكومة له ولأولاده تعليما عاما وجامعيا وخدمة صحية وعلاجا، كما هو حاصل منذ عقود في منطقته ومحافظته وتنمية مدن اقتصادية توفر فرص عمل حقيقية؛ وقطعة أرض كمنحة عينية 500 متر مربع قيمتها السوقية في بورصة الهوامير الاحتكاريين نصف مليون ريال ومنحته قرضا حسنا نقديا نصف مليون ريال لبناء منزل العمر مقّسطا على 25 سنة دون فوائد بقسط سنوي ميسر ويخصم له بموجب نظام الصندوق 20 في المائة من القسط إذا التزم بالسداد في أوقاته، أي 9600 ريال سنويا 800 ريال شهريا، وإعفاء الورثة من الأقساط في حالة الوفاة، كما هو حاصل الآن، وضمنت لهم وللمتعثرين سلوكيا ودراسيا من المتوسطة فأقل دخل ثلاثة آلاف ريال شهريا في القطاعين العام والخاص كحد أدنى والطبيعيين ثانوية فأعلى خمسة آلاف ريال شهريا كون هذه الشرائح الأكثر احتياجا والأخطر أمنيا على المجتمع، وبإشباع رغباتهم تكون الحكومة قد احتوتهم وشيّدت بينهم جسور الحب والمحبة. 3 - أختم فكرتي الموضوعية برجاء لسموكم بتبّني مشروع يطلق عليه ''برنامج أرض وقرض لكل مواطن بالغ''، وبعد إقراره تقوم الأمانات ووزارتكم بالرفع المساحي والتطوير لثلاثة مخططات سنويا أحياء أو ضواح جديدة في كل المناطق الرئيسة الـ 13 يحتوي كل مخطط عشرة آلاف قطعة بالخدمات الافتراضية ومعّدة للمنح المجانية لشريحة والبيع لشريحتين أخريين بسعر تشجيعي من الدولة لا يتعدى سعر المتر المربع 200 ريال، ومشروع برنامج تطوير وتوزيع له صفة الاستمرارية، سيسهم بشكل كبير في انتعاش سوق المواد الإنشائية والعمالة والمقاولات والمهندسين وقطاع صناعة الأسمنت والحديد والدهانات ... إلخ وتوازن الأسعار في سوق العقار، وإذا علم الاحتكاريون بمجرّد توجّه الحكومة إلى طرح 30 ألف قطعة أرض في كل منطقة سنويا كمنح أو بسعر رمزي منافس لهم، وأنهم سيفقدون جزءا من القوى الشرائية! سيضطرون إلى إعادة النظر في حساباتهم وأسعارهم؛ ويقبلون بـ 200 في المائة كأرباح بدلا من 4000 في المائة. وأجزم بنمو كل القطاعات الاقتصادية وازدهار البلد وأن الخير سيعم الجميع في عهد خادم الحرمين الشريفين.
المخطط الأول: عشرة آلاف قطعة كمنحة سنويا للشباب والشابات البالغين السن الشرعية (18 عاما) يمنح كل في محافظته ومنطقته بعد إعداد ضوابط وشروط مشددّة بدءا بأنه لم يسبق أن منح وانتهاء بنص في صك الملكية على أنها منحة بيت العمر لا يجوز البيع والتنازل ولا التداول وتؤول ملكيتها بالوراثة شرعا. والمخطط الثاني: بالحجم والعدد نفسيهما في كل المناطق يخصص للبيع بسعر رمزي 200 ريال للمتر لذوي الدخل المحدود والأيتام والأرامل وفق تعريف ومعايير وضوابط مشّددة ومقّيدة تحددها الوزارة، وسيكون هذا المخطط مصدر دخل لهذه الفئات بتدوير قيمتها بيعا وشراء في السوق الثانوية كما يحلو لي تسميتها؛ كما أنها ستكون مصدر إيرادات سنويّة للحكومة وتحقق هذه المخططات سنويا 13 مليار ريال.
المخطط الثالث: بالعدد والمساحة نفسيهما، يمنح بالبيع للنخب سيحقق دخلا سنويا لخزانة الدولة 13 مليارا أخرى؛ وهؤلاء يستطيعون بيعها لكبار العقاريين في السوق الأولية وتحقيق أرباح فلكية.
قد لا تحتاج الحكومة إلى هذه المليارات ولن تحتاج إلى إصدار صكوك لوجود فوائض قد تحول نصفها للاحتياطيات والنصف الآخر لتطوير البنية التحتية والمدارس والمستشفيات وإنشاء شركات ومرافق ومشروعات تنمويّة في المناطق والمحافظات توفر وظائف مجزية تحقق الحد الأدنى للمعيشة الكريمة لأبناء المنطقة ونقضي على الهجرة الداخلية والبطالة اللتين تشكلان ضغطا على عواصم المناطق، والعاصمة السياسية تحديدا.
