بالتوفيق.. رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

دعا الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الشيخ عبد العزيز الحمين، رجال الهيئة العاملين في الميدان إلى استصحاب النية الصالحة، والحرص على مصلحة الوطن، والعناية بهموم المواطنين، وما يحبب الخير لهم. وتطلع الحمين خلال لقائه في مقر رئاسة الهيئة في الرياض أخيراً عددا من مسؤولي الهيئة الميدانيين في منطقة الرياض إلى المزيد من العناية باحتواء الوقائع، والمعالجة بالحكمة الشرعية لتحقيق التأثير الإيجابي في المخالفين، وأن تؤدي الهيئة دورها بالأسلوب الأمثل.
كل هذا حسن، ويبدو كلاماً جميلاً على الورق لكن تطبيقه على أرض الواقع ليس أمراً سهلاً ويحتاج إلى جهود حثيثة وعمل شاق يتضمن تدريب العاملين في الهيئة على فنون وأساليب التعامل مع الناس وتنمية مهاراتهم السلوكية حتى يستطيعوا أن يحققوا ما يصبو إليه الحمين.
وسمعت قبل أيام أن رئاسة الهيئة تنوي إطلاق حملة علاقات عامة لتحسين صورتها وسط المواطنين. وباعتبار أنني كنت الرئيس المدير التنفيذي لأول شركة علاقات عامة في السعودية عام 1994م تخصصت في إدارة الانطباعات، واحتواء الأضرار وإدارة الكوارث، فقد تأكد لي تماماً أن المنتج أو القضية إن لم تكن في الأساس جيدة فلن تنفع معها كل محاولات التجميل.
والقصة التالية على لسان أحد طياري الخطوط الجوية العربية السعودية تقف شاهداً على ما أقول. وإليكم القصة كما رواها صاحبها:
أديت صلاة المغرب والعشاء جمع تقديم لظروف سفري الدائم كطيار، ثم اتجهت إلى مقهى'' جافا'' في شارع الأمير محمد بن عبد العزيز في الرياض، وأثناء جلوسي في الجلسات الخارجية وحدي أتصفح الصحيفة، تقدم مني شاب ملتح طالباً مني هويتي، رافضاً إبداء أي سبب ورافضاً تعريف نفسه، ثم قال كلم الشيخ الذي أقبل بدوره مع رجل ثالث، وعند سؤالي لهم عن السبب صاح بي أحدهم: احترم نفسك مع الشيخ .. وقام الشيخ بأخذ هاتفي المحمول مساوماً بالهوية (حاول البحث في محتويات الهاتف غير أنني رفضت) التي كانت موجودة في السيارة رافضين في الوقت نفسه ذهابي لجلبها ومدعين وجودي في ''مكان مشبوه'' ووجود مطلوبين أمنياً في المكان نفسه، قمت بعرض هوية العمل التي لا أستطيع الطيران من غيرها فأخذها الشيخ حتى أعطيه الهوية الوطنية ما دعاني لتركها ورفضي الذهاب إلى القسم.
المحزن أن الشرطة رفضت مساعدتي عند طلب المساعدة منهم. لم يسبق أن خاطبني أحد بتلك اللهجة المتعالية التي لا تخلو من الازدراء، دون إبداء أي سبب أو سؤالي هل صليت أم لا. أخيراً غادرت على مشهد من مدير مطعم '' لبناني'' اقتيد كالشاة ليوضع في شنطة الجيب''.ـ انتهت رواية الطيار.
وشخصياً عانت إحدى بناتي من حالة اكتئاب ألمت بها لعدة أيام عندما شاهدت رجال الهيئة يضربون رجلاً لأنه لم يذهب إلى صلاة الظهر في المسجد. ويمكن أن أسرد قصصاً كثيرة على هذه الشاكلة فقد شاهدت بأم عيني عدداً منها خلال السنوات القليلة الماضية وكلها قصص مأساوية.
وعلى أية حال، فإنني لست في موقف الناقد للهيئة بقدر ما أود أن أتقدم لها بعدد من الاقتراحات علها تساعد على تحسين صورتها وتجعلها تحظى بالقبول عند الناس. وبداية أؤكد أنني أتفق مع الشيخ عبد العزيز الحمين على مرئياته وأتمنى له النجاح في مساعيه الرامية إلى تطوير عمل الهيئة وإكسابها على الأقل تفهم الناس إن لم نقل حبهم واحترامهم.
وأول هذه المقترحات هو أن يدرك أعضاء الهيئة أننا الآن في القرن الحادي والعشرين وبالتالي فإن الأساليب والممارسات التي كانت مقبولة في القرون السابقة لم تعد تجد القبول لدينا. وأن هذا الوقت هو زمن احترام حقوق الإنسان، وكرامته، كما هو أيضاً زمن التسامح، وقبول الآخر واحترام آدميته.
ونحن عموماً لا نحب أن يصيح أحد في وجوهنا ولا أن يتهمنا بسوء السلوك وخرق القوانين جزافاً بلا دليل وإثبات، كما أننا لا نحتمل أن يفرض علينا أي أحد أفكاره ومرئياته، كما أننا نحترم الحساسيات الثقافية لهذا البلد سواء كنا سعوديين أم أجانب.
وحتى في المملكة العربية السعودية التي من المفترض أن يكون فيها اتفاق تام على الرؤى والمبادئ، لنا خلافاتنا ووجهات نظرنا المختلفة، وبيننا من لا يحب أبداً أن يكشف اسم أمه أو يسأله أحد عنه رغم ما للأم من قداسة وتكريم.
وأذكر تماماً أن غالبية العائلات كأي عائلات أخرى في المنطقة، كانت ولا تزال مترابطة يحرص أفرادها على تقوية الأواصر بينهم، وقد نشأت في عائلة ممتدة وسط الإخوان والأخوات، والأعمام والعمات، والأخوال والخالات، وأبنائهم وبناتهم وستبقى تلك الأيام محفورة في ذاكرة كل من قضى طفولته في جدة ومكة. أما الآن فإنني أخاف إن تجرأت على توصيل ابنة خالة والدي التي تجاوزت السبعين عاماً في سيارتي أن أتهم ''بالخلوة''!!!.
هذه، إذن، من الموضوعات التي يجب أن تنظر فيها الهيئة وهي تعتزم تطوير أعمالها وأن تعلم أن الوحدة تأتي من خلال التنوع. ولقد تعلمت دائماً أن أحترم المرأة وأن أنظر إليها على قدم المساواة فهل يجعلني هذا أقل إسلاما من الآخرين؟
لقد سافرت في كل العالم الإسلامي تقريباً وأدهشتني الاختلافات الثقافية والاجتماعية الكثيرة لكن رغم كل هذا التباين تبقى المرتكزات والقواعد الإسلامية هي ذاتها في كل مكان. وهذا هو الشيء الثاني الذي يجب أن يتعلمه رجال الحسبة.
أن غالبية النساء في العالم الإسلامي لا يغطين وجوههن فمن نحن حتى نلزمهن بذلك؟ على هذا، فمن المهم أن يركز أعضاء الهيئة على الأمور ذات الأهمية للمجتمع وأن يساعدوا المحتاج، ويغيثوا الملهوف، ويتنادوا لإنقاذ المكروبين خاصة إبان الكوارث والمحن الطبيعية وأن تكون أيديهم ممدودة دائماً لمساعدة الشباب بدلاً من تنفيرهم وتعميق العداوات معهم.
ولعمل كل هذا يجب أن تكون للهيئة عقلية جديدة ملؤها الحب، والعاطفة، والتسامح، وحسن النية والمعارف والمهارات التي تمكن أعضاءها من التعامل مع التغييرات المتسارعة في العالم خاصة مع هذا الجيل الجديد من الشباب الذي يختلف تماماً عن جيلنا.
مع أمنياتي بكل النجاح والتوفيق للشيخ عبد العزيز الحمين..

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي