الشباب وصالح كامل
قبل عدة أسابيع صرح رجل الأعمال المعروف صالح كامل بأن هنالك فرصا كثيرة في السوق للشباب السعودي كي يعمل وخاصة في مجال المبيعات والمهن الحرة، وأن دخل هذه الأعمال أكبر بكثير من العمل في القطاع الحكومي أو العمل كموظف في القطاع الخاص، وقال إن السبب الذي لا يجعل الشباب السعودي لا يعمل في هذه المجالات أنه كسول. وقد كان لهذا التصريح ردة فعل كبيرة بين الشباب في الفيسبوك وتويتر أغلبها كانت غاضبة. ومن خلال عملي في مجال التوظيف وجدت أن هناك عدة أسباب تجعل الشباب السعودي يبتعد عن هذه الأعمال.
لعل أهم سبب من هذه الأسباب أن الله أودع في نفس كل إنسان طبائع مختلفة، ونفسيات مختلفة، وطرق تفكير مختلفة. وإن كنت شخصيا أحب البحث عن الفرص التي قد تحتوي مخاطر ويمكن أن يكون فيها عائد عال إلا أنني وجدت أن أغلب الناس يحب أن يعيش حياته بأقل المخاطر الممكنة، ولذلك نجد أن رجال الأعمال أقلية في مجتمعاتهم، وأن أغلبية الناس موظفون. وقد مرت علي حالة لشخص كان يأخذ راتب خمسة آلاف ريال شهريا في شركة، وعندما تم قبوله جنديا في العسكرية بثلاثة آلاف ترك وظيفته لأن العسكرية مضمون راتبها في نظره.
هناك سبب آخر وهو أن نسبة كبيرة من العاطلين ليس مضطرا (بمعنى الاضطرار) للعمل كما يحدث في غير دول الخليج، فهو في الغالب عازب يعيش مع أهله، فأكله وشربه مضمون، بمعنى أنه لن يموت من الجوع، فهو قادر على البقاء على حاله إلى أن يفرجها ربك.
السبب الثالث هو العادات والفكر المحلي السائد، فالعمل كنجار أو حداد أو خياط أوغيرها من المهن الحرة ليس مستساغا في مجتمعنا، وإن كانت هذه المهن عمل فيها أنبياء إلا أن إعادة الوعي للنمط السائد ستحتاج إلى وقت. علما بأن بعض العاملين في هذه المهن من الأجانب يجنون أموالا كثيرة. وقد تعرفت على شخص عربي يعمل سائقا لشاحنة من إحدى الدول العربية، قدم للمملكة ولم يكن معه ولا ريال، ودخله الشهري في فترة من الفترات 30 ألفا وأبناؤه يدرسون في جامعة أهلية في بلدهم!
أما السبب الأخير وهو الأهم في نظري، أن معظم الناس لم تبن فيهم الجوانب التربوية المتعلقة باقتحام الأسواق ومهارات البيع، والجرأة في البحث عن الفرص، والسبب في ذلك أن أغلب الآباء لا يملكون هذه المهارة ولم يمارسوها، فبالتالي لا يستطيعون إيصالها لأبنائهم، فكثير من أبناء التجار يصبحون تجارا ناجحين إذا كان آباؤهم دربوهم على البيع منذ الصغر، وأوصلوا لهم أسرار خبرتهم الطويلة. ولكن يمكن لأي شخص مثابر اضطرته الحياة للعمل بعمل خاص أو قادته أفكاره واختياراته لدخول مجال العمل الخاص، فمع المثابرة والصبر يمكن للإنسان العادي اكتساب الخبرة في هذا المجال، ويستطيع توريثه لأبنائه إن كان يمتلك الأدوات التربوية، فأردوغان كان يبيع الخضار على عربية ثم أصبح رئيس وزراء تركيا.
وفي النهاية أرى أن أغلبية العاطلين لن يتم استيعابهم إلا في وظائف في القطاع الخاص، ومن حقهم المطالبة بإيجاد الوظائف لهم، ومن حق أي مواطن المطالبة بإيجاد فرص وظيفية له، ومن الحقوق التي عليه أن يطور نفسه كي يحصل عليها.