حفظ الدواء .. نقلة جديدة
لفت انتباهي ما نشرته بعض الصحف المحلية يوم الثلاثاء الماضي (1/5/1432هـ) على لسان الرئيس التنفيذي للهيئة العامة للغذاء والدواء بخصوص إلزام ''الشركات الخاصة بنقل الأدوية والمستحضرات الصيدلانية والعشبية والبيطرية بضرورة وضع الأدوية المنقولة ضمن حاويات مبردة تحتوي على مؤشرات بتسجيل درجة الحرارة طوال فترة الشحن والتخزين للدواء لمعرفة ظروف التخزين والمراحل التي مرت بها شحنة الدواء''. تلك الخطوة تستحق الإشادة, إذ من شأنها توفير المزيد من الاطمئنان على سلامة ما يتناوله المواطن من عقاقير.
إن موضوع الحفاظ على جودة الأدوية والعقاقير في أثناء مراحل النقل أمر تنبهت له الحكومة في وقت سابق، وصدرت بشأنه تعليمات كان آخرها تعميم صدر عن مصلحة الجمارك في 3/11/1426هـ بناء على طلب من وزارة الصحة مفاده ''عدم فسح أي مستحضر دوائي يتم شحنه بحاويات غير مبردة إلا بعد مخاطبتهم، مع إرسال عينات ليتم تحليلها والتأكد من سلامتها ومدى مطابقتها وصلاحيتها للاستخدام'', ذلك أن الكثير من الأدوية تفقد نسبة كبيرة من فاعليتها إذا تعرضت في أثناء نقلها أو تخزينها لدرجات حرارة خارج النطاق المسموح به من قبل الشركة المنتجة. بل قد يصل الضرر أحيانا إلى حد يفقد معه الدواء كامل فاعليته أو يتسبب في أعراض جانبية دون أن يدرك ذلك أي من الأطراف المعنية، بما في ذلك الصيدلية التي باعته أو الطبيب الذي وصفه.
بالطبع لا يقتصر الاهتمام بذلك الجانب من سلامة الدواء على المملكة فحسب، بل هناك قواعد لتنظيمه متعارف عليها ومعمول بها على مستوى العالم. غير أن ما يضفي على الموضوع أهمية خاصة في المملكة هو قسوة المناخ والارتفاع الكبير في درجات الحرارة، لا سيما في فصل الصيف. ويبدو أن الأسلوب المطبق حاليا باستخدام الحاويات التقليدية المبردة في عمليات نقل الدواء ينطوي على بعض الثغرات، ما دعا الهيئة إلى مطالبة المستوردين باستخدام الجيل الجديد من تلك الحاويات. وقد يكون من الملائم الإشارة هنا إلى أن المملكة كانت من أوائل الدول التي وفرت تجهيزات متخصصة في موانئها لاستقبال حاويات البضائع المبردة في عام 1396هـ، ما ساهم بشكل كبير في الحفاظ على نوعية وجودة الأدوية والأغذية المبردة والمجمدة. ومن بين الخدمات التي تقدمها الموانئ السعودية لمستوردي تلك البضائع مراقبة درجة حرارتها من بداية تسلمها من السفن حتى تسليمها لأصحابها.
ما تطالب به اليوم الهيئة العامة للغذاء والدواء هو الجيل الجديد من حاويات النقل المبردة، التي تتميز بالقدرة على حفظ سجل آلي يرصد درجة حرارة الحاوية بشكل ذاتي طوال زمن رحلتها من بلد المنشأ حتى وصولها إلى وجهتها النهائية، ما يعد نقلة في مراقبة وضبط تلك المرحلة من رحلة الدواء. لكن ما يجدر التنبيه إليه هنا هو أن تلك الفئة من الحاويات لا تزال محدودة الانتشار في أوساط النقل البحري، ومن ثم لا بد من التدرج في إلزام المستوردين باستخدامها وإلا قد نشاهد إرباكا في الإمدادات وزيادة في تكاليف النقل. وفي كل الأحوال قد ترى الهيئة أن من المصلحة تنسيق خططها في ذلك الشأن مع الجهات التي تتعامل بشكل مباشر مع تلك الحاويات كالجمارك، الموانئ، والوكلاء الملاحيين.
ثم هناك جانب آخر في ملف الحفاظ على سلامة الدواء من التقلبات المناخية لا يقل أهمية عن عنصر النقل، ألا وهو التخزين. وإن كنت أحسب أن ذلك الجانب لم يغب عن نظر الهيئة، إلا أنها قد تستحسن في إطار رسالتها أن تتبنى إنشاء مستودعات مركزية متخصصة، من قبل القطاع الخاص، تتوفر فيها المعايير اللازمة لتخزين الأدوية والعقاقير بالقرب من مراكز الاستيراد. ولعل من حسن الحظ أن الموانئ الرئيسة كجدة والدمام تمتلك مساحات من الأراضي المخصصة لبناء مستودعات خارج الحدود الجمركية. وفي تلك الخطوة لا أستبعد دوراً للشركة الوطنية للشراء الموحد للأدوية والأجهزة والمستلزمات الطبية (نوبكو) المملوكة لصندوق الاستثمارات العامة. إذ لديها الملاءة المالية الكافية (1,5 مليار ريال ) لإحداث تغيير إيجابي في مجال مناولة الدواء وتخزينه.