غبار الرياض والتأمين
شكلت موجات الغبار التي تعرضت لها الرياض تحديداً وبعض مدن ومناطق المملكة ودول الجزيرة العربية في السنوات الأخيرة ظاهرة مناخية غير مألوفة. وبالرغم من الأضرار الكبيرة التي سببتها موجات الغبار إلا أن أحداً لم يُقدم لها تفسيراً مقنعاً لحد الآن. فمُجمل التفسيرات التي قُدمت هي عبارة عن توقعات وتخمينات لم تُبنَ على دراسات علمية موثقة. فالبعض يعزوها إلى الحروب التي مرت بها المنطقة، والبعض الآخر يحيلها إلى ظواهر أو عوامل مناخية متكررة أو غير متكررة مثل غياب الأمطار، والبعض الآخر يعزوها إلى ظاهرة الاحتباس الحراري التي تعاني منها الكرة الأرضية.
وفي الحقيقة فإن ظاهرة الغبار التي نُعاني منها لها تبعاتها الصحية والاقتصادية والبيئية كذلك. فالخسائر التي تترتب على هذه الظاهرة هي معتبرة، سواء أكانت هذه الخسائر في الأرواح أو في الممتلكات نتيجة مساهمة الغبار في رفع نسبة حوادث السير المميتة في كثير من الأحيان، أو تمثلت هذه الخسائر في التكلفة المادية المترتبة على علاج من لديهم مشاكل صحية ناجمة عن التأثر بالغبار، كالمرضى الذين يعانون من الربو أو من حساسية في الصدر. وسواء كانت هذه الخسائر في النشاطات الاقتصادية نتيجة تضرر الأجهزة الإلكترونية الدقيقة والآلات والمعدات والأدوات التي تستخدم في الإنتاج، أو في تقديم خدمات معينة. وسواء ترتب على الغبار تراجع في النشاطات المختلفة أو حتى تعطيل لهذه النشاطات، كما حدث من تعليق للدراسة في المملكة نتيجة حدوث موجات غبار على بعض المدن والمناطق.
هذه الظاهرة لا بد من دراستها دراسة علمية دقيقة لمعرفة أسباب حصولها وتقديم المقترحات والحلول الناجعة للحد منها، والتخفيف قدر الإمكان من آثارها. وهذا يتطلب تضافر الجهود بين عدة جهات وعلى رأسها الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة، وكذلك الهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وإنمائها، ووزارة الشؤون البلدية والقروية والأمانات في المدن الكبرى، ووزارة الصحة وغيرها من الجهات المعنية بالصحة والبيئة والمناخ والتطوير الحضري.
وبالنسبة لشركات التأمين فهي معنية بشكل كبير بالظواهر البيئية والمناخية التي تترتب عليها مخاطر معينة وتقوم بالتأمين عليها. فكثير من شركات التأمين في الغرب خصصت ميزانيات لدراسة هذه الظواهر والحد منها وأدخلتها في دائرة اهتماماتها، بل كونت تجاهها معرفة دقيقة ربما وازت فيها كبريات المراكز المتخصصة في دراسة البيئة والمناخ، ومنها على سبيل المثال المعرفة المتعلقة بظاهرة الاحتباس الحراري.
وفي الحقيقة فإني أحمد الله أن ظاهرة الغبار التي أبتليت بها الجزيرة العربية لم تدخل في دائرة معارف شركات التأمين في الغرب، وإلا لكان أسهل الحلول بالنسبة لها هو استبعاد المخاطر المتولدة عنها من نطاق التغطية التأمينية التي تقوم بها شركات إعادة التأمين، وبالتالي فإن شركاتنا المحلية ستقوم بدورها باستبعاد التغطية رضوخاً لشروط شركات إعادة التأمين. فشركات إعادة التأمين الغربية ستصنف حتماً ظاهرة الغبار بأنها من المخاطر غير المحددة أو غير المعروفة النتائج على وجه الدقة، فهي لن تجد دراسات متخصصة تسعفها عن الآثار الصحية والاقتصادية المترتبة عن هذه الظاهرة، ولن تجد كذلك مراكز متخصصة تعطيها نسبا محددة لقياس المخاطر المتولدة عن ظاهرة الغبار وأشكالها وأنواعها. والإشكالية الأخرى هي أنه لا يوجد تعريف فني معتمد في علم التأمين أو علم المخاطر لظاهرة الغبار.
كما أن الخطورة تكمن في وثائق التأمين المعمول بها في المملكة والمعتمدة في معظمها على تغطيات شركات إعادة التأمين الغربية، فهذه الوثائق تتضمن مسميات وتعريفات وتحديدات فضفاضة وواسعة للظواهر البيئية والمناخية المستثناة أو تلك التي تتطلب تأميناً خاصاً، مما يُبقي المجال يبقى مفتوحاً لإدخال أية ظواهر جوية أو مناخية دون عناء، مثل مصطلح العواصف أو التمخضات الجوية وغيرها من المصطلحات الفضفاضة التي قد تكون ذريعة لشركات التأمين للتنصل من التزاماتها.