شركات التأمين وسرّ هروبها من التأمين الصحي!

ينقسم التأمين الصحي في المملكة إلى نوعين؛ وهما التأمين الصحي الإلزامي، والتأمين الصحي الاختياري. وبالنسبة للنوع الأول فقد جاء به نظام الضمان الصحي التعاوني، ويشرف على تطبيقه مجلس الضمان الصحي التعاوني، حيث يستفيد منه في الوقت الحالي نحو سبعة ملايين شخص من المقيمين من غير السعوديين، ومن السعوديين العاملين في القطاع الخاص. والتأمين الاختياري هو التأمين المتاح لمن لا ينتمي إلى هاتين الفئتين، وهم الأفراد العاديون من المواطنين السعوديين.
وهؤلاء الأفراد حين يذهبون إلى شركات التأمين ليستفيدوا من التأمين الصحي الاختياري، فإن الأغلبية منها ـــ إن لم يكن كلها ـــ لا ترحب بهم، بل تطلب منهم أن يبحثوا عن شركة أو مؤسسة تُدخلهم ضمن مجموعة العاملين لديها كي تقبل بالتأمين عليهم تحت مظلة التأمين الصحي الإلزامي. وهذا يعني ببساطة أن يبحثوا لهم عن (واسطة) من غير السعوديين أو من السعوديين العاملين في القطاع الخاص ليكونوا من ضمنهم حتى يتم التأمين عليهم، ويدخلون ضمن دائرة نظام الضمان الصحي التعاوني الذي يلزم شركات التأمين بالتأمين صحياً على العاملين المشمولين بأحكام نظام الضمان الصحي التعاوني.
وفي الحقيقة فإن التأمين الصحي الإلزامي استفاد منه المقيمون في المملكة من غير السعوديين وكذلك السعوديون العاملون في القطاع الخاص، ويتم التأمين عليهم على شكل مجموعات، وشركات التأمين لا تستطيع رفض التأمين عليهم من دون مبرر. ومجلس الضمان الصحي استطاع أن يضبط أوضاع التأمين على هذه الفئات الخاضعة لنظام الضمان الصحي التعاوني. وكما هو معلوم فإن الأفراد السعوديين غير المشمولين بأحكام هذا النظام لا يدخلون ضمن اختصاص مجلس الضمان الصحي، ولذلك لا تجد شركات التأمين حرجاً في رفض التأمين عليهم.
طبعاً هذا الموقف من شركات التأمين لا ينبغي السكوت عليه، فالتأمين الصحي لم يتقرر حتى يستفيد منه المشمولون بأحكام نظام الضمان الصحي فقط. فهو يُعد خدمةً متاحةً للجميع ومقررة للجميع، والأولى بالحصول على أي خدمة يتم تقديمها هو المواطن، فكيف إذا تعلق الأمر بجهات تكون خدماتها ذات طابع إنساني.
وهذه الأفضلية ليست بدعاً، فكثير من الدول تتضمن دساتيرها وقوانينها هذه الأفضلية التي تخص مواطنيها. والأمر الشاذ هو وجود تفضيل في المعاملة لغير المواطن. وبالنسبة للمملكة فإن أي نظام أو ممارسة تقوم على تمييز وتفضيل غير السعودي وهو أمر غير مقبول. فالأولى بالرعاية هو المواطن، وكثير من الأنظمة تؤكد هذا الأمر. بل إن النظام الأساسي للحكم ـــ وهو كما نعلم يُعد النظام المهيمن على كافة الأنظمة في المملكة ـــ نص في كثير من مواده على أن المواطن هو الأولى بالرعاية وباهتمام الدولة. وهذا لا يضير ولا يُنقص أبداً من حقوق غير السعوديين في المملكة فهي مضمونة ومصونة كذلك.
كما أن امتناع الشركة عن التأمين الصحي على السعوديين (الأفراد) يعد مخالفة صريحة للنظام. فالمادة السادسة والخمسون من اللائحة التنفيذية لنظام مراقبة شركات التأمين التعاوني، تنص على أنه لا يجوز للشركة عدم قبول التأمين إلا بناء على أسباب مقنعة. ولذلك فرفض التأمين لسبب يتعلق (بالصفة) يعد مخالفة صريحة للنظام، بل يدخل ضمن مفهوم الرفض؛ (المبالغة) في احتساب مبلغ القسط بحيث يصعب على العميل دفعه.
والسبب الحقيقي الذي يقف وراء امتناع كثير من الشركات عن التأمين على الأفراد، أن هذه الشركات تنظر إليهم على أنهم مصدر خسائر لها. والتأمين عليهم ليس مربحاً كما هو الحال بالنسبة للتأمين الإلزامي الذي تجد فيه هذه الشركات فرصة للربح أكبر من التأمين الاختياري، لأنها تعلم أن من يطلب التأمين الاختياري يكون لديه الوعي والإدراك بحقوقه التي تتضمنها وثيقة التأمين، وهو بذلك لا يُعد عميلاً محبذاً لهذه الشركات.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي