شدد الشيخ صالح بن محمد آل طالب إمام وخطيب المسجد الحرام في مكة المكرمة على أن العلماء هم ورثة الأنبياء فلابد أن يأخذوا نصيبهم من هذا الميراث، ولابد أن يصبهم ما أصاب مورثيهم من ألوان الأذى، مشيرا إلى أن الله سبحانه ضرب المثل بالربانيين من أتباع الأنبياء قبلنا ليربطنا نحن المؤمنين بموكب الإيمان ويقرر قرابة المؤمنين للمؤمنين ويقر في أخلادهم أن أمر العقيدة كله واحد، ويعلمنا أدب الربانيين مع الله وهم يعانون في سبيله ما يعانون.
وقال في خطبة الجمعة في المسجد الحرام: "في زمن الفتن والاضطراب وكثرة المخالفات والمعاصي وتسلط الفساق قد يتسلل اليأس والقنوط إلى بعض النفوس فتضعف وتستكين وتتخاذل وتلين، ناسية أن الدنيا دار ابتلاء وامتحان وأن طريق الدعوة والإصلاح طريق طويل شاق مملوء بالأذى والابتلاء حافل بالعوائق والمحبطات والصوارف والعقبات، ناح لأجله نوح ورمي في النار الخليل، وأضجع للذبح إسماعيل، وبيع يوسف بثمن بخس ولبث في السجن بضع سنين، ونشر بالمنشار زكريا، وذبح السيد الحصور يحيى، وقاسى الضر أيوب، ولاقى محمد صلى الله صلى الله عليه وسلم من ألوان الأذى ما لاقاه، أوذي وكذب وطورد وقوتل ومات من يناصره ويؤازره حتى سمي ذلك العام عام الحزن، بل رمي صلى الله عليه وسلم في عرضه، لم تصف له الحياة من الكدر والتعب، ومع ذلك يتجدد نشاطه في نشر رسالة ربه والتبشير بها وهو صابر محتسب، وبقي في كل الأحوال النبي الناصح والرسول المبلغ والمعلم الرحيم.
وأضاف قائلا: "والعلماء هم ورثة الأنبياء فلابد أن يأخذوا نصيبهم من هذا الميراث ولابد أن يصيبهم ما أصاب مورثيهم من ألوان الأذى هذا هو الأمر المطرد في كل دعوة ومع أتباع الأنبياء في كل شرعة، ولابد أن يصبهم ما أصاب مورثيهم من ألوان الأذى، ولقد ضرب الله المثل بالربانيين من أتباع الأنبياء قبلنا ليربطنا نحن المؤمنين بموكب الإيمان، ويقرر قرابة المؤمنين للمؤمنين، ويقر في أخلادهم أن أمر العقيدة كله واحد، ويعلمنا أدب الربانيين مع الله وهم يعانون في سبيله ما يعانون، فما ضعفت نفوسهم لما أصابهم من البلاء والكرب والشدة والجراح، وما ضعفت قواهم عن الاستمرار في الكفاح، وما استسلموا للجزع ولا للأعداء هذا هو شأن المؤمنين المنافحين عن العقيدة والدين والله يحب الصابرين.
هنيئا للصابرين في ميادين الدعوة والإصلاح الذين لا تضعف نفوسهم ولا تتضعضع قواهم ولا تلين عزائمهم ولا يستكينون أو يستسلمون ولا يتهربون من الميدان ولا يتخلون عن المهمة".
ومضى يقول: "هؤلاء هم الربانيون، وهذه أخلاقهم أمام الابتلاء؛ لذلك أضافهم الله إلى نفسه ونسبهم إلى ربوبيته، فأكرم بها من نسبة وأعظم بها من إضافة!"، ولقد دعاكم ربكم إلى أن تهتدوا بهدي من سبقكم من الربانيين وأن تسيروا على خطاهم، فقال عز من قائل ((ولكن كونوا ربانيين)).
كل مؤمن على وجه الأرض مأمور بأن يكون ربانيا بأن يطيع ربه في كل أمر ويحمده على كل حال، ويذكره في كل حين، وأن يكون لسان حاله ومقاله ((قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له))، المؤمن رباني مع ربه جل جلاله في كل أمر يأمره به أو قضاء يقدره عليه أو نعمة يمنحه إياها.
إن أمره الله بأمر امتثل أمر ربه بإخلاص وإتباع، وإذا نهاه عن شيء اجتنب ما نهي عنه بخضوع ومحبة وتسليم، وإذا أصابته مصيبة فهو الصابر الشاكر لربه الراضي عن مولاه يعلم أن اختيار ربه له خير من اختياره لنفسه، وأن رحمته به أعظم من رحمة أمه فيرضى ويسلم.
وإذا فعل فاحشة أو ظلم نفسه بادر إلى الله تائبا منيبا ووقف في مقام الاعتذار والانكسار عالما بأنه لا يغفر الذنوب إلا الله ولا يقيه من السيئات أحد سواه.
يعوذ برضاه من سخطه وبعفوه من عقوبته.
وإذا أنعم ربه عليه فهو الحامد الشاكر ينسب نعمة الله إلى الله ويثني بها عليه ويستعملها فيما يقرب إليه ولا تزيده النعم إلا محبة للمنعم.
وكلما جدد له نعمة أحدث له عبودية ومحبة وخضوعا وذلا، وكلما وقع ذنب أحدث لذلك توبة وانكسارا واعتذارا. وإذا منعه ربه شيئا قابل ذلك بالرضا عنه سبحانه والثقة بحكمته ورحمته، فهذا هو المؤمن الرباني وهذه حياته.
وزاد يقول: "لقد وصف الله الربانيين بالثبات في الجهاد والصبر على البلاء قال تعالى ((وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين))، ووصفوا بتحكيم الشريعة، ووصفوا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ووصفوا بتعليم الكتاب والسنة ودلالة الخلق على ما دلهم عليه الأنبياء كونوا ربانيين أي حكماء فقهاء، ويقال الرباني الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره، قال ابن مسعود رضي الله عنه حكماء علماء وقال ابن الجبير حكماء أتقياء.
إن هذا الخطاب يتجه للمؤمنين عامة وللعلماء والصالحين خاصة والذين يتبوءون مراكز التوجيه ويتصدرون ساحات الجهاد في الحياة لابد أن يأخذوا أنفسهم بالعزيمة ليحسنوا أداء ذوي الرسل، فالرسل أولو عزم وهو نداء لدعاة الخير والإصلاح، إن أخذوا الكتاب بقوة استمسكوا بالذي أوحي إليكم فأنتم على صراط مستقيم.
تحملوا العبء وانهضوا بالأمانة في قوة وعزم بلا ضعف وتهاون ولا تراجع عن تكاليف الدعوة ولا انهزام أمام مشاق الطريق حتى تكونوا ربانيين. ومن دعاء عباد الرحمن.
واجعلنا للمتقين إماما.
أي قدوة في الخير والصلاح والاستقامة والتقوى أئمة في التقوى نأتم بمن قبلنا ويأتم بنا من بعدنا، وقد أمر الله رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بالاقتداء بالأنبياء قبله فقال سبحانه ((أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده))، وإن لم يكن المؤمنون على المستوى من الأسوة حرموا الاستخلاف في الأرض.
وأن الذي يسابغ في الملذات لن يرقى في سلم الطاعات فلم نخلق للخلود في الدنيا ولا للإخلاد إلى الأرض، وإنا خلقنا لأمر عظيم فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا تلهينكم عن الآخرة، فأتباع الأنبياء لا يزاحمون على طلب المتاع والتعلق بالدنيا ولا تيأسوا من كثرة الهالكين أو تسلط الفاسقين، عليكم أنفسكم لا يضركم من ظل إذا اهتديتم إلى الله مرجعكم جميعا.
إن المسلمين منذ فجر الرسالة لم يصب لهم الجو ولا خلا لهم الطريق، والابتلاء سنة ماضية وكل استرخاء أو تخاذل سيستغله شياطين الجن والإنس للنيل من الحق والانحراف بالخلق. إن الصلاح هو تزكية النفس والإصلاح هو تزكية المجتمع والمسلم الحقيقي هو الذي يتعهد نفسه بالتقوى ويقبل في الوقت نفسه على المجتمع ليؤازر الحق ويعوق الباطل. والجهاد الهائل الذي قام به خاتم الأنبياء هو صنع أمة راجحة الكفة في كل ميدان من ميادين الحياة. إن الله أنزل عليه الوحي وشرفه بهذا القرآن ثم كلفه أن يفتح بهذا القرآن وأن ينير به آفاقا وعن طريق المسجد، ربط الناس بالله ورصص صفوفهم لتتماسك. وزاد يقول: "وفي عصرنا هذا توجد ألف طريقة لخدمة الإسلام وإنعاش أمته المغمى عليها وتثبيت أقدامها على الطريق الذي مرت به مواكب السلف ولا تصح هذه الطرق إلا بعد رفع أمتنا إلى مستوى الوحي وتصحيح إنسانيتها".
وقال: "إن الأمة اليوم بحاجة إلى أن تسير حياتها على الإيمان بالله وحده وهو ما تواصت به جميع الرسالات السماوية. وثانيا على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والإخلاص في ذلك وهو ما شرعه الله لكل الأمم على اختلاف الأزمنة.
ومما لا شك فيه أن الصلاة شعيرة عظيمة لتصفية النفس الإنسانية ووصلها بالسماء وأن الزكاة فريضة لدعم التكافل الاجتماعي وإقرار الأخوة.
وثالثا حراسة الفضيلة وإشاعتها وكره الرذيلة ومحو جراثيمها، وهذه هي حقيقة الأمر بالمعروف والنهي المنكر التي شاعت في كل دين وكلف بها جمهور المؤمنين، وقد لعن الله أقواما قبلنا بقوله ((كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون)) ثم معاملة البشر كافة بضمير رحيم وخلق فاضل وإشاعة العدالة والرحمة والسلام في الأرض، وهذه تعاليم شاعت في الكتب السماوية كلها تلقفتها القلوب الحية من البشر وتروت بها النفوس النبيلة من كبراء الناس وأمرائهم، لذا فقد كان الحكم والسلطان في منطق البشر واحة للناس في بيدائهم ومنهلا رقاقا يطفئ في الهجير ظمأهم، فالحكم والسلطان مرحمة للناس وعافية لهم وويل للناس ثم ويل لهم إن جاءهم من تلك العافية وانفجر عليهم العذاب من تلك المرحمة.
وإن من واجب العلماء الربانيين دلالة الأمة على الحق في زمن الفتن وطمأنتها حالة الخوف وتسكينها عند الاضطراب وتصبيرها عند البلاء.
وحمد الله في ختام خطبته الله على ما أنعم به من شفاء خادم الحرمين الشريفين وعودته لوطنه وأهله ومحبيه، داعيا المولى أن يبارك في عمره وعمله، وأن يسدد رأيه وأن يبارك خطوه، وأن يتم عليه الصحة والشفاء، وأن يسبغ عليه لباس العافية وأن يوفقه لهداه، وأن يجعل عمله في رضاه، وأن يهيئ له البطانة الصالحة، وأن يرفع به لواء الدين، وأن يوحد بكلمة المسلمين، وأن يوفق ولي عهده والنائب الثاني لما فيه الخير للعباد والبلاد.
#2#
وفي المدينة المنورة ألقى الشيخ عبد المحسن القاسم إمام وخطيب المسجد النبوي خطبة الجمعة أمس قال فيها إن الله سبحانه وتعالى اصطفى لهذه الأمة خير الرسل واختار سبحانه لصحبة نبيه خير رجال في أمته لا كان ولا يكون مثلهم، غفر الله ذنبهم ورفع مكانتهم ورضي عنهم لإيمانهم وإخلاصهم وصحبتهم وسبق نصرتهم للنبي صلى الله عليه وسلم، قال عز وجل ((والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا)).
وأضاف الشيخ القاسم يقول إنه مما يزيد في الإيمان معرفة سير من اتصف بالصحبة وبادر إلى التصديق وآزر النبي صلى الله عليه وسلم ونصره، قال الإمام أحمد رحمه الله "ومن السنة ذكر محاسن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم أجمعين والدعاء لهم قربى والاقتداء بهم وسيلة ومحبتهم من أصول الدين"، مبينا فضيلته أن أفضل أولئك الجيل الفذ أبو بكر الصديق رضي الله عنه أرسخهم إيمانا وأغزرهم علما وأكثرهم ملازمة للنبي صلى الله عليه وسلم، ثم عمر الفاروق رضي الله عنه يليه في الفضل والخلافة كان حصنا حصينا للإسلام في قوة سيرته وكمال عدله وما لقيه الشيطان قط سالكا فجا إلا وسلك فجا غير فجه، وثالثهم كريم اليد عظيم النفس أبو عبد الله عثمان بن عفان ذو النورين أمير المؤمنين وثالث الخلفاء الراشدين وصاحب الهجرتين وأحد العشرة المبشرين بالجنة ورفيق النبي صلى الله عليه وسلم فيها، قال عليه الصلاة والسلام (إنه ليس من نبي إلا ومعه من أصحابه رفيق من أمته معه في الجنة وإن عثمان بن عفان هذا رفيقي معي في الجنة).
ومضى إمام وخطيب المسجد النبوي يقول إن عثمان بن عفان يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في جده الثالث وهو حفيد عمة النبي صلى الله عليه وسلم البيضاء بنت عبد المطلب، لم يتزوج رجل من الأولين والآخرين ابنتي نبي غيره، أسلم قديما على يدي أبي بكر الصديق رضي الله عنهما فكان رابع أربعة في الإسلام وبايع عنه صلى الله عليه وسلم بيده في بيعة الرضوان.
ومضى الشيخ القاسم قائلا: "إن عثمان كان مطيعا للنبي صلى الله عليه وسلم مقتفي أثره وفيا له ولصاحبيه أبي بكر وعمر، قال رضي الله عنه "صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبايعته فوالله ما عصيته ولا غششته حتى توفاه الله عز وجل".


