default Author

الخلاصة: دور السعودية والقوة الشرائية يحددان سلوك «أوبك» (26 والأخيرة)

|
أصبح من الواضح الآن، بعد 25 حلقة، أن ''أوبك'' ليست منظمة احتكارية (كارتل)، وذلك لأن النظريات الاقتصادية لا تنطبق عليها، ولأن ''أوبك'' لا تتمتع بصفات الكارتل، ولا بصفات منظمات السلع الأولية العالمية، ولا بصفات الأخوات السبع، ولا بصفات هيئة سكة حديد تكساس. كما اتضح أيضا أن أسواق النفط العالمية لا تتمتع بالمنافسة، الأمر الذي يعني أن هناك قوة سوقية لبعض المنتجين. في ظل هاتين الحقيقتين اللتين تبدوان متناقضتين: ''أوبك'' ليست منظمة احتكارية، وأسواق النفط لا تتمتع بالمنافسة، كيف يمكن شرح التقلبات في أسواق النفط العالمية خلال 40 سنة الماضية؟ وكيف يمكن شرح دور دول ''أوبك'' فيها؟ قبل الخوض في التفاصيل، لا بد من وضع معيار علمي لاختيار النموذج أو النماذج السوقية التي تشرح التقلبات في أسواق النفط العالمية: النموذج أو النماذج التي تشرح سلوك دول ''أوبك'' يجب أن تكون مدعومة بنظرية اقتصادية من جهة، وبالحقائق والبيانات والتحليلات الإحصائية من جهة أخرى. أيّ نموذج ليس له نظرية تدعمه غير مقبول، وأي نموذج لا تدعمه الحقائق والبيانات والتحليلات الإحصائية غير مقبول. بناء على ما سبق، إذا راجعنا كل النماذج التي طرحت لشرح سلوك ''أوبك'' خلال 40 سنة الماضية، والتي تمت مناقشتها في الحلقات 25 الماضية نجد ما يلي: 1- في الوقت الذي لا تتمتع فيه ''أوبك'' ككل بقوة سوقية، نجد أن السعودية هي الوحيدة التي تتمتع بقوة في السوق وتستطيع التحكم في السعر طالما أن لديها طاقة إنتاجية فائضة. هذه النتيجة تدعمها النظرية الاقتصادية وتؤكدها الحقائق والبيانات والتحليلات الاقتصادية كما مر معنا سابقا. إذا الدولة التي تتحكم في أسواق العالمية هي السعودية. 2- دول ''أوبك'' الأخرى تنقسم إلى ثلاثة أقسام. القسم الأول ينتج بأقصى ما يمكنه إنتاجه مهما كان السعر، وبالتالي فإن نموذج سوق المنافسة ينطبق على هذه الدول، وسلوكها يتطابق مع سلوك دول خارج ''أوبك''. القسم الثاني ينتج حسب القوة الشرائية لصادرات النفط لكل بلد، والقسم الثالث ينتج حسب احتياجاته المالية. سلوك هذه الدول يتوافق مع النظرية الاقتصادية وتؤكده الحقائق والبيانات والتحليلات الإحصائية. 3- بناء على ما سبق، فإن ''أوبك'' تنقسم إلى أربعة أقسام. فإذا كانت السعودية ترى أنه يجب تخفيض الإنتاج، وتوافق ذلك مع متطلبات الدول الأخرى التي تقتضي تخفيض الإنتاج، فإن ''أوبك'' تظهر وكأنها وحدة واحدة، الأمر الذي يعطي انطباعا بأنها وحدة احتكارية. لكن البيانات تشير إلى أن هذا لم يحصل على الإطلاق في حالة تخفيض الإنتاج، إنما حصل في حالة زيادة الإنتاج. وزيادة الإنتاج في حالة ارتفاع الأسعار ليست دليلا على ''الكارتل'' لأن زيادة الإنتاج مع ارتفاع الأسعار من أهم خصائص أسواق المنافسة. 4- تشير البيانات إلى تعاون بعض دول ''أوبك'' مع السعودية في بعض الفترات، وأن تغير إنتاجها يتطابق مع تغير الإنتاج في السعودية. هذا التعاون لا يمكن تفسيره بالنموذج الاحتكاري, وذلك لأن التحليلات الإحصائية تشير إلى أن بعض دول ''أوبك'' تخفض أو تزيد إنتاجها وفقا للقوة الشرائية لصادراتها النفطية. فإذا تطلبت الأمور وفقا للقوة الشرائية لصادرات النفط تخفيض الإنتاج في الوقت الذي تقوم فيه السعودية بتخفيض الإنتاج، فإن الأمر يظهر وكأن هناك تنسيقا منظما بينهما. في الوقت نفسه نرى دولا تخالف السعودية لأن القوة الشرائية لصادراتها النفطية تتطلب زيادة الإنتاج أو عدم تخفيضه. 5- تشير البيانات أيضا إلى أن إيران وليبيا تحددان إنتاجها بناء على احتياجاتها المالية، وإلى حد ما القوة الشرائية لصادراتها النفطية. لذلك فإن لهما سلوكهما المستقل ضمن دول ''أوبك''. إن القوة المسيطرة في أسواق النفط العالمية هي السعودية طالما أن لديها طاقة إنتاجية فائضة، فإذا تلاشت هذه الطاقة الفائضة فإن السعودية تفقد موقع القيادة لمصلحة المضاربين وقوى السوق. دول ''أوبك'' الأخرى تتصرف بشكل مستقل بناء على معطيات معنية. تتوافق في بعض الأحيان مصالح بعض دول ''أوبك'' مع مصالح السعودية في تخفيض الإنتاج أو رفعه، فيظن البعض أنهم يتصرفون وكأنهم كارتل. لو أخذنا هذه الأفكار وطبقناها على عرض النفط والطلب عليه وأسعاره خلال 40 سنة الماضية نجد أنه يمكن شرح هذه التطورات بسهولة إلا أن ذلك يحتاج إلى سلسلة جديدة من المقالات، لكن نكتفي بما كتب. أما فيما يتعلق بقوة ''أوبك'' في المستقبل، فإن الأمر لا يهم لأنه ليس لها قوة، وكل القوة في يد السعودية طالما أن لديها طاقة إنتاجية فائضة. من هنا يمكن القول إن حل المنظمة لن يؤثر في أسواق النفط العالمية، ولن يؤثر في أسعار النفط. إلا أن تضاؤل دور السعودية في وجه زيادة الاستهلاك الداخلي للنفط وتصاعد دور دول أخرى سيكون له أثر أكبر في أسواق النفط العالمية من انحلال منظمة ''أوبك''. إن استمرار ''أوبك'' كمنظمة حتى الآن سببه ضعف دور ''أوبك''، ولو كانت منظمة قوية تتمتع بقوة الكارتل بالمفهوم الاقتصادي المعروف لانهارت منذ زمن بعيد. إن ''أوبك'' ستظهر على أنها أكثر قوة وفاعلية إذا ركزت على القوة الشرائية لصادرات نفط أعضائها في تقسيم الحصص الإنتاجية، لكن هذا لن يغير من الأمر شيئا على أرض الواقع لأن هذه الدول تتصرف وفقا لهذا التقسيم كما لو أنه كان موجودا. إذا ما هي ''أوبك''؟ ''أوبك'' مجرد ناد لمنتجين. العضوية في هذا النادي لها منافعها وتكاليفها، وستستمر الدول في عضويتها طالما أن المنافع أكبر من التكاليف، الأمر الذي يفسر خروج بعض الدول ودخول دول أخرى. تكاليف العضوية مبالغ بسيطة نسبيا تدفعها الدول الأعضاء، إضافة إلى تكاليف اجتماعات الوزراء والمسؤولين. أما المنافع فهي كثيرة، خاصة بالنسبة للدول الصغيرة. إن أهم منفعة هي أن ''أوبك'' منظمة بحثية تقوم بإجراء بحوث مكلفة، ليس في مجال النفط فقط، إنما في كل مجالات الطاقة، وتحصل الدول الأعضاء على هذه البحوث ونتائجها كاملة، بينما تدفع جزءا بسيطا من تكاليفها. وعلينا أن نتذكر أن هناك منافع سياسية، خاصة أننا شهدنا حروبا وانقطاعا في العلاقات الدبلوماسية بين أغلبية دول ''أوبك''، لكن ظل مندوبو هذه الدول يجتمعون على طاولة واحدة في اجتماعات ''أوبك''، وظلوا يرسلون إشارات معينة إلى الطرف الآخر من خلال هذه الاجتماعات. وعلينا أن نتذكر في هذه المناسبة أن الولايات المتحدة طلبت من ''أوبك'' الاعتراف بالمندوب الجديد للعراق، قبل أن تعترف الأمم المتحدة أو جامعة الدول العربية بالحكومة العراقية الجديدة. ولا شك أن الدول الصغيرة في ''أوبك'' تستفيد كثيرا لأنه لو كل شعوبها وقفت على صعيد واحد وصاحت بأعلى صوتها فإن العالم لن يسمعها، لكن لو تفوه وزير نفطها قبل أو بعد اجتماع ''أوبك'' بجملة، فإن العالم كله ينصت، وتسجل كل وسائل الإعلام العالمية جملته كلمة كلمة. باختصار، ''أوبك'' لم تنهر بسبب ضعفها، ولن تنهار طالما أنها استمرت على هذه الحال، وإذا انهارت فإن ذلك لن يؤثر في أسعار النفط .. ''أوبك'' هي السعودية، والسعودية هي ''أوبك''. * المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعبر بالضرورة عن رأي الشركة التي يعمل فيها.
إنشرها