الديون السيادية والتأمين..قراءة في ظل الأحداث المعاصرة
أدت الأحداث التي شهدتها منطقتنا العربية إلى بروز قضية الديون السيادية لبعض الدول في المنطقة، وما تبع ذلك من زيادة في تكلفة التأمين عليها. وقد أكد ذلك سيل من التصريحات لكبار المحللين الاقتصاديين، وكذلك جهات التصنيف المالي العالمية، وكلها تؤكد مسألة ارتفاع تكلفة التأمين على الديون السيادية لبعض الدول التي شهدت اضطرابات محلية، مثل تونس ومصر واليمن، وبعض الدول المجاورة لها التي خُشي أن تمتد إليها مثل هذه الاضطرابات. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل شمل بعضاً من دول المنطقة التي تُعد بعيدة عن حصول مثل هذه الأحداث أو التأثر بتبعاتها، ولكنها مع ذلك تأثرت بارتفاع تكلفة التأمين على ديونها السيادية.
وفي الحقيقة فإن السوق المالية العالمية تتميز بحساسية مفرطة للأحداث، وحينما تكون هذه الأحداث ذات طبيعة أمنيّة، فإن هذا التأثر يكون سريعاً جداً. كما أن الاستجابة لهذه الأحداث تكون بالسرعة نفسها، حيث ترتفع تكلفة التأمين ضد مخاطر التعثر بالسداد، وهذا بدوره يزيد من تكلفة الدين بالنسبة لهذه الدول.
الديون السيادية هي ديون تنشأ بسبب طرح الدولة سندات في السوق العالمية بالعملات الصعبة بهدف الحصول على هذه العملات، فهي ببساطة عملية اقتراض عن طريق هذه السندات التي يتم طرحها. وقد سميت بالديون السيادية لتمييزها عن الديون الحكومية أو المحلية التي تنشأ عن طرح هذه السندات بالعملة المحلية داخل الدولة نفسها.
وتعني مسألة الزيادة في تكلفة التأمين على الديون السيادية الشيء الكثير، فهي حتماً تقلل من الفرص في الحصول على القروض التي تحتاج إليها هذه الدول، أو تقلّل من منافع هذه القروض، حيث سيذهب جزء منها لتغطية تكلفة التأمين. وارتفاع التكلفة يؤثر كذلك في التصنيف الائتماني لهذه الدول، لأن زيادة تكلفة التأمين أو تدنيها يُعد أهم مؤشر لقياس التغيرات التي تطرأ على قدرة الدولة ومدى الثقة بسدادها لديونها. فكلما كانت هناك صعوبات تواجه الدولة في سداد مديونياتها السيادية كان التأمين ضد مخاطر التعثر في السداد أكثر تكلفة. وتقاس هذه التكلفة بنقاط معينة فكلما زادت هذه النقاط كانت التكلفة أكثر والعكس صحيح.
وبالنسبة لمركز المملكة الائتماني فهو لم يتأثر ـ ولله الحمد ـ نتيجة لهذه الأحداث، وذلك بسبب الثقة الكبيرة التي يتمتع بها الاقتصاد السعودي، وعدم حاجة المملكة إلى هذه الديون السيادية. كما أنها تتمتع باحتياطيات كبيرة من العملات الأجنبية، ولديها صناديق سيادية ذات قدرة عالية على الإقراض وليس الاقتراض. وتقف المملكة على الجانب الآخر، وهو الجانب الذي يقف فيه الدائنون الذين يهمهم تقييم وضع الدول ذات الديون السيادية، ومدى ملاءتها وذلك لشراء سنداتها.
والدول التي تحتاج لمثل هذه الديون السيادية تحرص على أن يكون تصنيفها الائتماني في أعلى درجاته، وتحاول أن تثبت ملاءتها وقدرتها على الوفاء بالتزاماتها تجاه هذه الديون السيادية، لأن الأثر السلبي لا يكون فقط متعلقاً بهز ثقة حاملي هذه السندات وتشككهم في قدرة هذه الدول على السداد، وإنما بتأثير ذلك في مسألة جذب الاستثمارات الأجنبية وهروب ما هو موجود منها. وهذا يفاقم من المشكلة ويحرم هذه الدول من الحصول على تدفقات السيولة بالعملة الصعبة ويجعلها عاجزة عن تلبية احتياجاتها من الاستيراد من الخارج.
وعدم قدرة الدولة على الوفاء بديونها السيادية سيدخلها في دوامة كبيرة قد يصل بها الأمر إلى البحث عن متبرعين أو داعمين لها، أو إعادة هيكلة ديونها. وقد يصل الأمر إلى طلب تدخل صندوق النقد الدولي، وما يتبع ذلك من فرض شروطه عليها، وخضوعها لتعليماته المتشددة حتى تتمكن في النهاية من الحصول على تسهيلات من هذا الصندوق.