تأمين المقاولين والجهات الحكومية.. إشكالية نظام أم إشكالية ثقافة؟
من المسائل الإيجابية التي قررتها الدولة في عقود المقاولات التي تكون طرفاً فيها ضرورة وجود تأمين يغطي أخطار المقاولين، حيث يتم إلزام المقاول في حالة فوزه بالمناقصة الحكومية بإبرام وثيقة تأمين تغطي الأضرار التي يمكن أن تنشأ عن المشروع الذي يقوم بتنفيذه.
وتأمين أخطار المقاولين يُعد أحد أهم أنواع التأمين الهندسي، ويزداد أهمية حينما يكون المستفيد من هذا التأمين هي الجهة الحكومية صاحبة المناقصة، فهذا يعني أن قيمة العقد غالباً ما تكون كبيرة، والفائدة المرجوة من المشروع على درجة كبيرة من الأهمية أيضاً، مما يلزم تغطيته تأمينياً. وفي المقابل، فإن التأمين في عقود المقاولات الحكومية يمثل رافداً مهماً لشركات التأمين في المملكة، خصوصاً في هذا الوقت بالذات، حيث تشهد المملكة حركة إنشائية كبيرة، تتمثل في إنشاء مجمعات ومبانٍ ومدن صناعية ضخمة في مختلف المناطق.
وقد ظل تأمين أخطار المقاولين ردحاً من الزمن من نصيب التعاونية للتأمين باعتبارها في ذلك الوقت الشركة الوطنية الوحيدة المرخص لها بممارسة نشاط التأمين في المملكة، وذلك قبل صدور نظام مراقبة شركات التأمين التعاوني عام 1424هـ. هذه الميزة التي حصلت عليها التعاونية للتأمين جعلتها تحتكر هذا المُنتج التأميني المهم، حيث ظلت الشركات القائمة آنذاك وكلها شركات مسجلة في الخارج وتمارس أعمال التأمين في المملكة بالوكالة تغبط التعاونية للتأمين على هذا التفضيل الذي عززه كذلك تعميم قديم صادر من وزير المالية يقصر فيه التعامل على التعاونية للتأمين باعتبارها الشركة الوطنية الوحيدة في السوق آنذاك. هذا الموقف في مجمله جعل الإدارات الحكومية لا ترى في تأمين المقاولين إلا اسم التعاونية للتأمين وأي وثيقة يقدمها المقاول لا تحمل اسم هذه الشركة لا يُعتد بها، وهذا في حقيقة الأمر رسخ ثقافة متأصلة لدى مسؤولي المناقصات في كثير من الجهات الحكومية على اختلافها بأن وثيقة تأمين أخطار المقاولين لا يمكن قبولها أو الاعتداد بها ما لم تكن صادرة عن هذه الشركة. الإشكالية جاءت أيضاً، مما فهمه البعض من نظام المنافسات والمشتريات الحكومية والذي أكد تفضيل المنتج الوطني في العقود التي تبرمها الدولة مع المقاولين والمتعهدين والموردين، وما ظنه هؤلاء من أن حصر التعامل مع التعاونية للتأمين هو تأكيد لالتزام المقاولين بالتعامل مع المنتجات الوطنية للتأمين. كما ظن بعض مسؤولي المناقصات الحكومية بأن اللائحة التنفيذية لنظام المنافسات والمشتريات الحكومية والتي تعطي الجهة الحكومية حق وضع شروط ومدة سريان وثيقة التأمين ومدة تقديمها بأن هذا النص يخولها كذلك بتحديد شركة التأمين التي ينبغي التأمين لديها. وفيما يتعلق بالمقاول فليس بوسعه إلا البحث عن رضا وقبول الإدارة الحكومية فهو سيذهب إلى الشركة التي تكون وثيقتها مقبولة من هذه الجهة الحكومية.
وإزاء هذه الإشكالية فإنه ينبغي أن يُدرك أطراف هذه العلاقة أنه بعد صدور نظام مراقبة شركات التأمين التعاوني عام 1424هـ وما تلا ذلك من تأسيس شركات تأمين وطنية يقارب عددها الآن الثلاثين شركة، فإنه بذلك لم تعُد التعاونية للتأمين الشركة الوطنية الوحيدة في السوق، فكل شركات التأمين يُنظر إليها على قدم المساواة وكلها شركات تأمين وطنية، ومن حق هذه الشركات أن تلقى وثائقها الخاصة بالتأمين ضد أخطار المقاولين نفس المعاملة لدى الجهات الحكومية، ولذلك فإن تفضيل شركة على أخرى بحجة أن لها مركزاً نظاميا يختلف عن الشركات الوطنية الأخرى هو أمر غير نظامي. هذا علاوة على أن هذا الأمر ليس في مصلحة سوق التأمين الهندسي ولا يخدم المنافسة أو حتى تحرير الأسعار. ولا أعتقد أن التعاونية للتأمين وهي صاحبة النجاحات المشهودة في السوق ترضى بأن تُعزى نجاحاتها هذه إلى مثل هذه التبريرات، فهي تبقى في نظري الشركة الرائدة في السوق وهي كذلك محل فخر واعتزاز الجميع.