الأجهزة الحكومية وإعاقة التنمية الحقيقية في المملكة

تعاني التنمية في المملكة عدة مشكلات يجب النظر إليها بعمق لتفادي إهدار المدخرات الوطنية وتحقيق تنمية حقيقية بأقل الخسائر، ومن أهم المشكلات التي تعوق التنمية الحقيقية في الاقتصاد السعودي ذات علاقة بالأجهزة الحكومية, التي سيتم التركيز عليها في هذه المقالة، على أن تتم مناقشة القضايا الأخرى في مقالات لاحقة ـــ بإذن الله. وإجمالا سأحصر هذه المشكلات في ثلاث نقاط رئيسة. وأولى هذه المشكلات الأداء المتواضع للأجهزة الحكومية, فالأداء الحكومي للأجهزة الحكومية ضعيف والإنتاجية منخفضة, ما أدى إلى انخفاض الكفاءة الاقتصادية في أداء هذه الأجهزة. وجزء من انخفاض الأداء بسبب غياب المحفزات وانخفاض كفاءة بعض العاملين في هذه الأجهزة وبيئة العمل التي لا تساعد على الإبداع أو حتى الإتقان في الأداء. إن الأداء الضعيف للأجهزة الحكومية يؤدي إلى تحميل المواطن تكاليف إضافية من خلال تعقيد العملية الاستثمارية وبطء الإجراءات وتحميل المستثمرين تكاليف إضافية تنعكس على التكاليف التي يتحملها المستثمر ويمررها إلى المواطن المغلوب على أمره، من خلال زيادة أسعار الخدمة المقدمة. أو يؤدي ذلك إلى قلة المستثمرين في القطاع المستهدف، وطغيان الوضع الاحتكاري أو احتكار القلة واستغلال المحتكرين البيئة الاحتكارية, التي أسهمت الأجهزة الحكومية في خلقها من خلال التضييق على المستثمرين ورفع الأسعار للخدمة المقدمة أو رداءة مستواها. إضافة إلى أن عدم وضوح الإجراءات للمستثمرين في بعض القطاعات الحكومية وبطء الإجراءات التنفيذية، يؤديان إلى ارتفاع المخاطر التي تواجه المستثمرين واحتساب هذه المخاطر من ضمن معادلة الاستثمار, ما يرفع العائد المتوقع من المستثمرين تحسبا للمخاطر التي تواجههم, وبالتالي ارتفاع تكاليف الاستثمار بصورة عامة.
ثانيا، التعقيدات البيروقراطية والمركزية في اتخاذ القرار، التي تشكل تكاليف حقيقية يتحملها بطريقة مباشرة وغير مباشرة المواطن, فالتعقيدات البيروقراطية والمركزية في اتخاذ القرار، التي تم الحديث عنها بالتفصيل في مقال سابق بتاريخ 7/1/1432هــ، تمثل تكاليف اقتصادية إضافية من خلال زيادة الوقت اللازم لتنفيذ أي معاملة مقارنة بما يجب أن يحدث. والوقت الإضافي لإنجاز أي عمل يمثل تكلفة حقيقية يتحمل تبعاتها المجتمع بأسره وتنعكس سلبا على العملية التنموية. وإهدار الوقت ينعكس سلبا على التكاليف الاقتصادية للاقتصاد الوطني في كثير من الحالات من جانبين، أولا ارتفاع تكاليف الجهاز الحكومي لزيادة الوقت اللازم لإنجاز الأعمال، وهذه تكاليف على المجتمع يتم دفعها من مدخرات المجتمع. ثانيا، المواطن الذي يتعامل مباشرة مع هذه الأجهزة يضطر إلى استقطاع جزء من وقته وتعطيل عمله، سواء في القطاع الخاص أو العام أو القطاع غير الربحي لمتابعة إنجاز معاملته، التي تشكل تكاليف اقتصادية مباشرة على الفرد وتكاليف اقتصادية على الاقتصاد الكلي.
ثالثا: الهدر المالي, فعلى الرغم من ضخامة الميزانيات المنفقة في السنوات الأخيرة بسبب العائدات النفطية، التي أدت إلى أن ما ينفق على الخدمات وعلى إنجاز الأعمال في الاقتصاد السعودي يتجاوز الدول المتقدمة رقما, لكن الخدمات التي تقدمها الأجهزة الحكومية أقل بكثير من طموحات المجتمع. فلا شك أن ما ينفق على مشاريع القطاع الصحي أو التعليمي أو قطاع البلديات ينافس ما يتم إنفاقه في الدول الصناعية، بينما خدمات هذه القطاعات لا ترقى إلى تحقيق الحد الأدنى مما يجب. وحادثة جدة مثال حي على ما تعيشه هذه الأجهزة من ضعف في الأداء على الرغم مما تحصل عليه من مخصصات، حتى لم يعد للمليون قيمة في الأجهزة الحكومية وأصبحت مشاريعنا بالمليارات والنتائج ضعيفة. وبمقارنة المدخلات المالية للأجهزة الحكومية مع مخرجات الإنتاج لهذه الأجهزة نلاحظ انخفاضا شديدا في الكفاءة قد يكون سببه الفساد والرشوة وقد يكون ضعف أداء وإمكانات هذه الأجهزة، وقد يكون السببان معا!
حتى نتمكن من تحقيق تنمية حقيقية ونرفع إنتاجية الاقتصاد السعودي، فإننا في حاجة ماسة إلى معالجة النقاط السابقة وإشراك المجتمع ككل بما أنه معني بالخدمة, والجهاز الحكومي أجير لخدمته وليس للانتفاع على حسابه. ومن أهم طرق المعالجة قياس إنتاجية الأجهزة الحكومية وتقييم أدائها مقارنة بما ينفق عليها. المحاسبة للعاملين في هذه الأجهزة مهما علت مرتباتهم أو مناصبهم أو مواقعهم الاجتماعية، وأقترح في المحاسبة ما قد اقترحته في مقالة سابقة بتاريخ 27/2/1432هـ: إلغاء المركزية في الأجهزة الحكومية على جميع المستويات, رفع كفاءة العاملين في الأجهزة الحكومية والتمييز بينهم على قدر الإنتاجية, الشفافية في جميع الأجهزة وحق المواطن في الحصول على جميع المعلومات والقرارات الصادرة وإلغاء كلمة ''سري'', التي يرمي بها المسؤول في وجوه المواطنين عند طلب أي معلومة أو تنفيذ أي قرار للتهرب.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي